Anggelo
19/08/2005, 15:16
هذا هو التقرير السنوي الخامس لمركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء والذي يتناول أوضاع الاحتجاز والمحتجزين في مصر خلال العام 2002 . ويشعر كل متابع لحقوق الإنسان في مصر بالقلق نتيجة جمود العوامل التي تؤثر فيها، بما يمكن القول معه إن حقوق الإنسان في مصر لا تتطور إلى الأمام بشكل كامل علي أي مستوى من المستويات التي يمكن قياس هذا التطور علي مقتضاها، بقدر ما تتراجع إلى الخلف علي أصعدة متعددة .
فعلي صعيد البنية التشريعية ليس هناك ثمة تطورات ملموسة لتحسين القوانين التي هي في مجملها معادية لحقوق الإنسان وتضفي بشكل أو بآخر حماية قانونية علي منتهكيها ، فمازالت القوانين المصرية تعتبر الإضراب والتظاهر السلميين جرائم جنائية يعاقب عليها ، ومازال الحق في إصدار الصحف والدوريات وفي تملك وسائل الإعلام المسموعة والمسموعة المرئية يخضع لقيود شديدة من جانب السلطات ، فيما تظل كثير من النصوص القانونية التي تكبل حرية الرأي والتعبير والاعتقاد كما هي سواء في قانون العقوبات أو في قوانين أخرى مكملة له ، ويظل التعذيب في مصر جريمة لا توجد لها عقوبات رادعة ، وعلي الرغم من الانتقادات المتكررة التي توجه إلى مسلك قانون العقوبات في هذا الشأن فإنه لا الحكومة ولا البرلمان في مصر قد أبديا قدرا من التعاطف أو التجاوب مع تلك الانتقادات ، وقبل ذلك كله وبعده تظل حالة الطوارئ سارية ومعلنة في مصر وتجدد مرة كل ثلاث سنوات منذ أكتوبر 1981 وحتى الآن لتكمل في ربيع العام الحالي 2003 اثنين وعشرين عاما مما يعني أن جيلاً كاملاً من المصريين قد شب في ظل بيئة قانونية ذات طبيعة استثنائية تعطي رجال الضبط سلطات واسعة وغير مسبوقة.
وعلي صعيد الممارسات الفعلية وكما كان الحال في عام 2001 ، فإن عام 2002 شهد إساءة استخدام النيابة العامة لسلطتها في حبس المتهمين احتياطيا ، حيث لم يعد الحبس الاحتياطي هو تدبير لصالح التحقيق ولكنه بالأساس تحول إلى نوع من العقوبة يمكن أن تستطيل لمدة تزيد أو تقترب من الستة أشهر ، كما انتقلت عدوي حبس المتهمين احتياطيا إلى المحاكم التي باتت – خاصة في القضايا مثار الاهتمام الإعلامي - تفضل حبس المتهمين احتياطيا أكثر من الإفراج عنهم بكفالة مالية أو وضعهم تحت مراقبة الشرطة أو غير ذلك من وسائل التحفظ علي المتهمين ، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تكدس السجون المتكدسة بالفعل وإلى نقص وفي بعض الأحيان انعدام الرعاية التي يتعين تقديمها للمحتجزين.
واستمرت تداعيات الحادي عشر من سبتمبر الرهيب تلقي بظلالها السلبية علي حقوق الإنسان حول العالم ، وفي مصر نشطت أجهزة الأمن المصرية في استعادة كثير من طالبي اللجوء العرب من دول أوربية ما كان من المتصور أن تقبل تسليم أشخاص تتعرض حياتهم للخطر فيما لو أعيدوا إلى بلدانهم – لولا أحداث الحادي عشر من سبتمبر وعلو مقتضيات الأمن علي مقتضيات الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان .
وكما كان الحال في العام 2001 ، فإن الأوضاع داخل مراكز الاحتجاز الدائمة والمؤقتة ظلت في عام 2002 تتسم بالقسوة المتعمدة حيث مازال التعذيب وإساءة المعاملة تعتبر من ضمن وسائل التحقيق المعتمدة في أقسام الشرطة ، كما تستخدم السلطات الأوضاع المعيشية والإنسانية كنوع من العقوبة الإضافية تجاه المحتجزين ، فحيث يوقع المحتجزون ما يطلق عليه شهادات التوبة ، تتحسن الأوضاع في السجن سواء علي مستوي الطعام أو الزيارة أو الرعاية الصحية ، وحين يمتنع المحتجزون عن الإقرار بتوبتهم تسوء الأوضاع المعيشية وتعاني الأماكن التي يحتجزون فيها من تدهور متعمد حيث تقل كميات الطعام وتسوء الرعاية الصحية وتتكدس عنابر الاحتجاز ويمنع اتصال المحتجزين بذويهم كما يمنعون من الحصول علي حقهم في التعليم .
كما يظل عدد المعتقلين وفقا لقانون الطوارئ غير معروف بشكل محدد أو رسمي ، وتعمد الحكومة المصرية إلى التعتيم القصدي علي عدد المعتقلين في سجونها إلى الدرجة التي دفعت أحد مساعدي السيد وزير الداخلية إلى أن يعلن أمام لجنة مناهضة التعذيب في خريف عام 2002 إلى أنه لا يمكن معرفة أعداد المعتقلين في السجون المصرية لأن العشرات تدخل السجون كل يوم ويفرج أيضا عن العشرات كل يوم!!.
وعلي الصعيد ذاته مازالت الأوضاع داخل مراكز احتجاز الأحداث تتسم بالتدهور وانعدام الرعاية بما يحولها إلى بؤر إجرامية أكثر من كونها أماكن لإعادة تأهيل الأحداث وإدماجهم في المجتمع فضلا عن عدم تمكنها من استيعاب كل الأحداث الجانحين ، كما ظلت أماكن الاحتجاز الخاصة بالنساء تعاني المشاكل نفسها التي تعانيها أماكن الاحتجاز الأخرى فضلا عن المشكلات الخاصة بطبيعة تلك السجون نفسها والتي يأتي علي رأسها الكيفية التي يجري بها احتجاز الأطفال مع أمهاتهم ، ونوع الرعاية الصحية والاجتماعية الواجب تقديمها لهؤلاء المحتجزين الصغار .
وعلي صعيد حالات الاختفاء القسري فإن عام 2002 وإن لم يشهد حالات اختفاء جديدة إلا إن الحالات القديمة والتي يرجع تاريخ بعضها إلى عام 1989 لم يتم إجلاء مصيرها بعد ، ولكن العام ذاته شهد أول حكم قضائي يلزم وزارة الداخلية بدفع مائه ألف جنيه لوالدي مواطن مصري يدعى مصطفى محمد عبد الحميد عثمان كان قد اختفي قسريا عقب إلقاء القبض عليه من قبل قوات الأمن بتاريخ 17/12/1989 في أعقاب محاولة اغتيال اللواء زكى بدر وزير الداخلية ولم تتمكن وزارة الداخلية من تحديد مصيره .
وعلي الرغم من أهمية هذا الحكم الشديد وإقراره مبدأ مسئولية الوزارة عن تعويض أهالي المختفي بما يعنيه ذلك من مسئوليتها عن اختفائه ، إلا أن الحاجة أصبحت ملحة أكثر لكي تقوم النيابة العامة بواجبها في التحقيق في ظروف اختفاء هؤلاء المواطنين وإعلان نتيجة تلك التحقيقات علي الرأي العام ، ثم تقديم المتورطين في تلك الجرائم إلى المحاكمة ، فإن كان التعويض المالي لأسرة المختفي قد يواسيهم إلا أن منع تكرار مأساة الاختفاء القسري تحتم علي المجتمع أن يسعي للقصاص من مرتكبي تلك الجريمة حتى لو ثبت أنهم يتسترون خلف مناصب رسمية .
وعلي صعيد حماية نشطاء حقوق الإنسان فإن عام 2002 قد شهد ومع اقتراب المهلة التي منحتها الحكومة للشركات المدنية العاملة في هذا المجال علي الانتهاء ، تضييقا متتابعا علي حركة النشطاء الحقوقيين ، فقد منع الأستاذ ناصر أمين مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة من السفر لحضور مؤتمر عن المحكمة الدولية في الأردن –ديسمبر2002- ثم سمح له بذلك في اليوم الثاني بعد نقاشات ومحاولات متعددة ، كما ألقي القبض علي ناشطين من نشطاء المركز المصري لحقوق السكن – في نهايات الشهر نفسه - حال اشتراكهما في بعثة لتقصي الحقائق في مدينة أخميم بمحافظة سوهاج ، وأمرت النيابة بحبسهما أربعة أيام علي ذمة التحقيق ثم عندما أمر قاضي المعارضات بالإفراج عنهما رفضت السلطات واحتجزتهما بحجة عدم وجود سيارة ترحيلات لنقلهما إلى أقسام الشرطة التابعين لها للإفراج عنهما منها الأمر الذي أدي إلى احتجازهما أكثر من عشرة أيام دون مقتضى !!.
وقد انعكس فشل الحكومة المصرية وعدم قدرتها علي تحسين أوضاع حقوق الإنسان علي صورتها الدولية فقد أصدرت كل من اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ، واللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب التابعتين للأمم المتحدة توصياتهما عقب انتهاء مناقشة التقارير الدورية التي قدمتها الحكومة المصرية إليهما خلال خريف 2002 ، وأبدتا قلقهما المتزايد من التدهور الذي وصلت إليه أوضاع حقوق الإنسان ، وركزت اللجنتان علي أن استمرار قانون الطوارئ لأكثر من عشرين عاما متصلة إنما هو بذاته إهدار لحقوق الإنسان فضلا عن كونه سببا في إهدارها ، كما دعت مصر إلى قبول زيارة المقرر الخاص للتأكد من فاعلية الإجراءات التي تتخذها لمنع التعذيب ، فضلا عن القلق الذي أبدتاه من تقاعس النيابة العامة في أداء دورها في إحالة المتهمين بالتعذيب إلى المحاكمة ، ودعوتهما إلى إعادة النظر في القوانين التي تمنع الضحية من اللجوء مباشرة للقضاء في جرائم التعذيب ، وعدم وجود مدة ملزمة علي النيابة العامة إنهاء التحقيق خلالها وإعلان نتيجته ، وتحسين أوضاع السجون المصرية والاهتمام بأماكن احتجاز الأحداث وعدم احتجازهم مع البالغين ، فضلا عن عديد من الانتقادات الأخرى التي وجهتها اللجنتان للقوانين المصرية وللسياسات الحكومية التي تحرم المواطنين المصريين من التمتع بالحقوق التي نص عليها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، وهي التوصيات التي تعتبر استمرارا للتنديد بسجل الحكومة المصرية – غير المشرف – في مجال حقوق الإنسان .ومن الجدير بالذكر أن مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء قد اشتبك مع التقريرين الحكوميين حيث قدم تقريرين موازيين لهما ، كما حضر وفد من نشطاء المركز وخبراؤه مناقشات اللجنتين ، كما قام بالجهد نفسه وبدرجات متفاوتة المنظمة المصرية لحقوق الإنسان والمركز المصري لحق السكن .
إن ذلك التقرير السنوي – مثله مثل غيره من التقارير السنوية التي تصدر عن المؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان – يهدف إلى إلقاء نظرة كلية علي واقع مراكز الاحتجاز والمحتجزين فيها بشكل أساسي لحفز الجهود الدولية والإقليمية علي العمل مع الحكومة المصرية – إن رغبت – والضغط عليها – إن أبت- لتحسين أوضاع حقوق الإنسان فيها ، ولفت انتباه الرأي العام المحلي وصناعه – الصحفيين وقادة الرأي - علي سبيل المثال - إلى الاهتمام بالمحتجزين وأماكن الاحتجاز و إلقاء الضوء علي ما يحدث فيها ، ذلك أنه علي الرغم من أهمية هذا الموضوع فإن الصحف المصرية وقادة الرأي العام لا يبدون اهتماما بتطوير المحتجزين وأماكن الاحتجاز في مصر .
إن هذا التقرير يعرض وجهة نظر مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء في واقع حقوق أوضاع الاحتجاز والمحتجزين في مصر لعام 2002 ، وهو يقرر أن النتائج التي توصل إليها إنما هي نتيجة المعلومات التي حصل عليها فريق العمل التابع له والتي قام بتحليلها علي ضوء القوانين واللوائح التي تحكم الاحتجاز والمحتجزين في مصر سواء تعلقت بهم بشكل مباشر أو غير مباشر . وهو يرجو أن يساعد هذا التقرير -والذي هو في حقيقته تتويج للتقارير النوعية والشاملة التي أصدرها المركز خلال العام 2002 – علي لفت الانتباه إلى حقيقة مهمة تخلص في أن التنمية المستدامة عمادها الإنسان ، وبغير احترام لهذا الإنسان ولكرامته ، وبغير ضمان تمتعه بحقوقه – وبصفة خاصة وهو محتجز – فإنه لا قيمة ولا معني للحديث عن أي نوع من أنواع التنمية.
مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء
فعلي صعيد البنية التشريعية ليس هناك ثمة تطورات ملموسة لتحسين القوانين التي هي في مجملها معادية لحقوق الإنسان وتضفي بشكل أو بآخر حماية قانونية علي منتهكيها ، فمازالت القوانين المصرية تعتبر الإضراب والتظاهر السلميين جرائم جنائية يعاقب عليها ، ومازال الحق في إصدار الصحف والدوريات وفي تملك وسائل الإعلام المسموعة والمسموعة المرئية يخضع لقيود شديدة من جانب السلطات ، فيما تظل كثير من النصوص القانونية التي تكبل حرية الرأي والتعبير والاعتقاد كما هي سواء في قانون العقوبات أو في قوانين أخرى مكملة له ، ويظل التعذيب في مصر جريمة لا توجد لها عقوبات رادعة ، وعلي الرغم من الانتقادات المتكررة التي توجه إلى مسلك قانون العقوبات في هذا الشأن فإنه لا الحكومة ولا البرلمان في مصر قد أبديا قدرا من التعاطف أو التجاوب مع تلك الانتقادات ، وقبل ذلك كله وبعده تظل حالة الطوارئ سارية ومعلنة في مصر وتجدد مرة كل ثلاث سنوات منذ أكتوبر 1981 وحتى الآن لتكمل في ربيع العام الحالي 2003 اثنين وعشرين عاما مما يعني أن جيلاً كاملاً من المصريين قد شب في ظل بيئة قانونية ذات طبيعة استثنائية تعطي رجال الضبط سلطات واسعة وغير مسبوقة.
وعلي صعيد الممارسات الفعلية وكما كان الحال في عام 2001 ، فإن عام 2002 شهد إساءة استخدام النيابة العامة لسلطتها في حبس المتهمين احتياطيا ، حيث لم يعد الحبس الاحتياطي هو تدبير لصالح التحقيق ولكنه بالأساس تحول إلى نوع من العقوبة يمكن أن تستطيل لمدة تزيد أو تقترب من الستة أشهر ، كما انتقلت عدوي حبس المتهمين احتياطيا إلى المحاكم التي باتت – خاصة في القضايا مثار الاهتمام الإعلامي - تفضل حبس المتهمين احتياطيا أكثر من الإفراج عنهم بكفالة مالية أو وضعهم تحت مراقبة الشرطة أو غير ذلك من وسائل التحفظ علي المتهمين ، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تكدس السجون المتكدسة بالفعل وإلى نقص وفي بعض الأحيان انعدام الرعاية التي يتعين تقديمها للمحتجزين.
واستمرت تداعيات الحادي عشر من سبتمبر الرهيب تلقي بظلالها السلبية علي حقوق الإنسان حول العالم ، وفي مصر نشطت أجهزة الأمن المصرية في استعادة كثير من طالبي اللجوء العرب من دول أوربية ما كان من المتصور أن تقبل تسليم أشخاص تتعرض حياتهم للخطر فيما لو أعيدوا إلى بلدانهم – لولا أحداث الحادي عشر من سبتمبر وعلو مقتضيات الأمن علي مقتضيات الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان .
وكما كان الحال في العام 2001 ، فإن الأوضاع داخل مراكز الاحتجاز الدائمة والمؤقتة ظلت في عام 2002 تتسم بالقسوة المتعمدة حيث مازال التعذيب وإساءة المعاملة تعتبر من ضمن وسائل التحقيق المعتمدة في أقسام الشرطة ، كما تستخدم السلطات الأوضاع المعيشية والإنسانية كنوع من العقوبة الإضافية تجاه المحتجزين ، فحيث يوقع المحتجزون ما يطلق عليه شهادات التوبة ، تتحسن الأوضاع في السجن سواء علي مستوي الطعام أو الزيارة أو الرعاية الصحية ، وحين يمتنع المحتجزون عن الإقرار بتوبتهم تسوء الأوضاع المعيشية وتعاني الأماكن التي يحتجزون فيها من تدهور متعمد حيث تقل كميات الطعام وتسوء الرعاية الصحية وتتكدس عنابر الاحتجاز ويمنع اتصال المحتجزين بذويهم كما يمنعون من الحصول علي حقهم في التعليم .
كما يظل عدد المعتقلين وفقا لقانون الطوارئ غير معروف بشكل محدد أو رسمي ، وتعمد الحكومة المصرية إلى التعتيم القصدي علي عدد المعتقلين في سجونها إلى الدرجة التي دفعت أحد مساعدي السيد وزير الداخلية إلى أن يعلن أمام لجنة مناهضة التعذيب في خريف عام 2002 إلى أنه لا يمكن معرفة أعداد المعتقلين في السجون المصرية لأن العشرات تدخل السجون كل يوم ويفرج أيضا عن العشرات كل يوم!!.
وعلي الصعيد ذاته مازالت الأوضاع داخل مراكز احتجاز الأحداث تتسم بالتدهور وانعدام الرعاية بما يحولها إلى بؤر إجرامية أكثر من كونها أماكن لإعادة تأهيل الأحداث وإدماجهم في المجتمع فضلا عن عدم تمكنها من استيعاب كل الأحداث الجانحين ، كما ظلت أماكن الاحتجاز الخاصة بالنساء تعاني المشاكل نفسها التي تعانيها أماكن الاحتجاز الأخرى فضلا عن المشكلات الخاصة بطبيعة تلك السجون نفسها والتي يأتي علي رأسها الكيفية التي يجري بها احتجاز الأطفال مع أمهاتهم ، ونوع الرعاية الصحية والاجتماعية الواجب تقديمها لهؤلاء المحتجزين الصغار .
وعلي صعيد حالات الاختفاء القسري فإن عام 2002 وإن لم يشهد حالات اختفاء جديدة إلا إن الحالات القديمة والتي يرجع تاريخ بعضها إلى عام 1989 لم يتم إجلاء مصيرها بعد ، ولكن العام ذاته شهد أول حكم قضائي يلزم وزارة الداخلية بدفع مائه ألف جنيه لوالدي مواطن مصري يدعى مصطفى محمد عبد الحميد عثمان كان قد اختفي قسريا عقب إلقاء القبض عليه من قبل قوات الأمن بتاريخ 17/12/1989 في أعقاب محاولة اغتيال اللواء زكى بدر وزير الداخلية ولم تتمكن وزارة الداخلية من تحديد مصيره .
وعلي الرغم من أهمية هذا الحكم الشديد وإقراره مبدأ مسئولية الوزارة عن تعويض أهالي المختفي بما يعنيه ذلك من مسئوليتها عن اختفائه ، إلا أن الحاجة أصبحت ملحة أكثر لكي تقوم النيابة العامة بواجبها في التحقيق في ظروف اختفاء هؤلاء المواطنين وإعلان نتيجة تلك التحقيقات علي الرأي العام ، ثم تقديم المتورطين في تلك الجرائم إلى المحاكمة ، فإن كان التعويض المالي لأسرة المختفي قد يواسيهم إلا أن منع تكرار مأساة الاختفاء القسري تحتم علي المجتمع أن يسعي للقصاص من مرتكبي تلك الجريمة حتى لو ثبت أنهم يتسترون خلف مناصب رسمية .
وعلي صعيد حماية نشطاء حقوق الإنسان فإن عام 2002 قد شهد ومع اقتراب المهلة التي منحتها الحكومة للشركات المدنية العاملة في هذا المجال علي الانتهاء ، تضييقا متتابعا علي حركة النشطاء الحقوقيين ، فقد منع الأستاذ ناصر أمين مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة من السفر لحضور مؤتمر عن المحكمة الدولية في الأردن –ديسمبر2002- ثم سمح له بذلك في اليوم الثاني بعد نقاشات ومحاولات متعددة ، كما ألقي القبض علي ناشطين من نشطاء المركز المصري لحقوق السكن – في نهايات الشهر نفسه - حال اشتراكهما في بعثة لتقصي الحقائق في مدينة أخميم بمحافظة سوهاج ، وأمرت النيابة بحبسهما أربعة أيام علي ذمة التحقيق ثم عندما أمر قاضي المعارضات بالإفراج عنهما رفضت السلطات واحتجزتهما بحجة عدم وجود سيارة ترحيلات لنقلهما إلى أقسام الشرطة التابعين لها للإفراج عنهما منها الأمر الذي أدي إلى احتجازهما أكثر من عشرة أيام دون مقتضى !!.
وقد انعكس فشل الحكومة المصرية وعدم قدرتها علي تحسين أوضاع حقوق الإنسان علي صورتها الدولية فقد أصدرت كل من اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ، واللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب التابعتين للأمم المتحدة توصياتهما عقب انتهاء مناقشة التقارير الدورية التي قدمتها الحكومة المصرية إليهما خلال خريف 2002 ، وأبدتا قلقهما المتزايد من التدهور الذي وصلت إليه أوضاع حقوق الإنسان ، وركزت اللجنتان علي أن استمرار قانون الطوارئ لأكثر من عشرين عاما متصلة إنما هو بذاته إهدار لحقوق الإنسان فضلا عن كونه سببا في إهدارها ، كما دعت مصر إلى قبول زيارة المقرر الخاص للتأكد من فاعلية الإجراءات التي تتخذها لمنع التعذيب ، فضلا عن القلق الذي أبدتاه من تقاعس النيابة العامة في أداء دورها في إحالة المتهمين بالتعذيب إلى المحاكمة ، ودعوتهما إلى إعادة النظر في القوانين التي تمنع الضحية من اللجوء مباشرة للقضاء في جرائم التعذيب ، وعدم وجود مدة ملزمة علي النيابة العامة إنهاء التحقيق خلالها وإعلان نتيجته ، وتحسين أوضاع السجون المصرية والاهتمام بأماكن احتجاز الأحداث وعدم احتجازهم مع البالغين ، فضلا عن عديد من الانتقادات الأخرى التي وجهتها اللجنتان للقوانين المصرية وللسياسات الحكومية التي تحرم المواطنين المصريين من التمتع بالحقوق التي نص عليها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، وهي التوصيات التي تعتبر استمرارا للتنديد بسجل الحكومة المصرية – غير المشرف – في مجال حقوق الإنسان .ومن الجدير بالذكر أن مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء قد اشتبك مع التقريرين الحكوميين حيث قدم تقريرين موازيين لهما ، كما حضر وفد من نشطاء المركز وخبراؤه مناقشات اللجنتين ، كما قام بالجهد نفسه وبدرجات متفاوتة المنظمة المصرية لحقوق الإنسان والمركز المصري لحق السكن .
إن ذلك التقرير السنوي – مثله مثل غيره من التقارير السنوية التي تصدر عن المؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان – يهدف إلى إلقاء نظرة كلية علي واقع مراكز الاحتجاز والمحتجزين فيها بشكل أساسي لحفز الجهود الدولية والإقليمية علي العمل مع الحكومة المصرية – إن رغبت – والضغط عليها – إن أبت- لتحسين أوضاع حقوق الإنسان فيها ، ولفت انتباه الرأي العام المحلي وصناعه – الصحفيين وقادة الرأي - علي سبيل المثال - إلى الاهتمام بالمحتجزين وأماكن الاحتجاز و إلقاء الضوء علي ما يحدث فيها ، ذلك أنه علي الرغم من أهمية هذا الموضوع فإن الصحف المصرية وقادة الرأي العام لا يبدون اهتماما بتطوير المحتجزين وأماكن الاحتجاز في مصر .
إن هذا التقرير يعرض وجهة نظر مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء في واقع حقوق أوضاع الاحتجاز والمحتجزين في مصر لعام 2002 ، وهو يقرر أن النتائج التي توصل إليها إنما هي نتيجة المعلومات التي حصل عليها فريق العمل التابع له والتي قام بتحليلها علي ضوء القوانين واللوائح التي تحكم الاحتجاز والمحتجزين في مصر سواء تعلقت بهم بشكل مباشر أو غير مباشر . وهو يرجو أن يساعد هذا التقرير -والذي هو في حقيقته تتويج للتقارير النوعية والشاملة التي أصدرها المركز خلال العام 2002 – علي لفت الانتباه إلى حقيقة مهمة تخلص في أن التنمية المستدامة عمادها الإنسان ، وبغير احترام لهذا الإنسان ولكرامته ، وبغير ضمان تمتعه بحقوقه – وبصفة خاصة وهو محتجز – فإنه لا قيمة ولا معني للحديث عن أي نوع من أنواع التنمية.
مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء