-
دخول

عرض كامل الموضوع : حـنـظـلـة , لم يكـن مـن أصحـاب الكــروش


*Marwa*
12/09/2008, 10:59
حنظلة، أما هو فلم يكن من أصحاب الكروش ولا القروش

عبـد الحكيـم مفيـد


لم يجلس ناجي العلي في مكتب,ولم يرن الهاتف,ولم يستقبل في أي مطار بشكل رسمي,لم يعرف الفنادق ,بالكاد أحيانا نام في الخنادق,لكنه كان السفير الأهم والأبرز لفلسطين الحقيقة, تلك التي يحملها حنظلة,وحنظلة حمل فلسطينيا لم يحملها أصحاب الفنادق والذين يستقبلون في المطارات بشكل رسمي.

لا حاجة للخوض في هوية قاتل ناجي العلي, ليس من الضرورة بمكان أن يحدد اسمه,ليس هذا هو المهم ,لكن اغتياله كان استمرارا لاغتيال طريق نبتت على هامش الثورة الفلسطينية لكنها كانت الأكثر حضورا,وهذه هي مأساة فلسطين بالذات,أن الذين أحبوها فعلا عاشوا فقراء وماتوا اغتيالا أو قهرا ,ولعل هذه تكون مأساة من النوع الذي نحب.

اختفى الكثير من الفلسطينيين ,إما اغتيالا وإما سجنا وإما قهرا وإما نفيا,ولا احد حتى الآن يملك تفسيرا منطقيا لاختفاء هؤلاء,قلة هم الذين يخوضون في ملف ناجي العلي وكمال عدوان وكمال ناصر وأبو اياد وأبو جهاد ويوسف النجار وأبو الوليد وعلي حسن سلامة,وماجد أبو شرار,وآخرون .
إن إسرائيل قتلت هؤلاء فالمسالة متفق عليها ,إلا ما حاولت إسرائيل أن تنكر,لكن كيف كان من الممكن أن يتم اغتيال هؤلاء بهكذا سهولة,ليس في سوق شعبي بل في قلب عواصم عربية,هذا من الأسئلة المهمة التي يجب أن يسألها الفلسطينيين.

لم يكن ناجي العلي حين طل على الناس بواسطة حنظلة لم يكن يعلم انه يرسم ملامح المرحلة القادمة,ولم يكن يعرف كذلك انه سيكون بلا منازع في تقديرنا رسام الكاريكاتير الأبرز والاهم فلسطينيا ,بلا منازع حتى هذه اللحظة ,وان كانت أمية جحا نجحت ببراعة في اقتحام هذا المجال ,
لم يكن يعرف أو انه عرف ,انه يرسم حالة الفلسطينيين كلها ,حين كان يرسم رشيدة مهران عشيقة ياسر عرفات,وحين كان يرسم أصحاب الكروش السمينة من أبناء ثورة البترو-دولار البررة,وحين كان يستهزأ من حالة الفلسطينيين أي من حالته وحالتنا,لم يسمح لنفسه أن ينهار ,فقد ظل حنظلة ,لا يساوم ,وظل شوكه المطل من رأسه يشي بحالة مقاومة لا تنتهي,إما هو فكان المستقبل من إمامه’وإما ظهره فكان يدور للعرب,وظلت فاطمة التي كانت لا تسمح لابو احمد بالانهيار تمثل في رسوماته أجمل ما في فلسطين,وأنبل ما في النقاء وأقوى ما في التحدي.

لماذا كان ناجي العلي الأكثر بروزا حتى صار الإجماع الفلسطيني بلا منازع,في المدينة والمخيم في القرية وفي الجامعة,لأنه عبر عن أنبل ما يبحث عنه الفلسطيني,الذي كان في ضياع,عن حنظلة, وحين وجده أعاد للفلسطينيين شيئا مما فقدو ,الصدق والاستقامة والنقاء والعزة,هل يكون هناك أكثر مفارقة من أن يغتال ناجي العلي قبل ظهور حنظلة بأشهر,حين ولد أطفال الحجارة.

لم يكن ناجي العلي فيلسوفا, فهو فلسطيني لاجئ بامتياز ,وهناك من الفلسطينيون من اختار أن يهرب من لجوئه الملتصق به في كل مكان,وهو ابن الشجرة , قرية فلسطينية يباع على بواباتها لحم شواء,وهو ابن المخيم, الذي هرب من كل الأمكنة إلى كل الأماكن ليجد نفسه فوجدته رصاصة غادرة في شوارع لندن, أي في البلاد التي شاركت في نكبته,ماذا هل كانت لندن تنتظره لتنهي مشواره الممتد من النكبة.

في صورة ناجي العلي بريق,وفيها تعب,وفيها من ملامح اللاجئين,وفيها حنظلة,وحين تقف أمام رسومات ناجي العلي لا يبقى شيئا هناك لا يقال,ببساطة متناهية للغاية ,بجمل شعبية,وبتعبيرات استعارية تجعل من ناجي العلي أكثر من رسام كاريكاتير.

لم يحصل ناجي العلي على أي شهادة تقدير من اليونيسكو, فمثله يحصلون على شهادات نادرة,شعب يحب ولا ينسى,واسم يبقى في وعي الأطفال قبل الصغار,لماذا بقي ناجي واختفى غيره ممكن كانوا أكثر شهرة في حينه,وممن حظوا بهالة رسمية وشعبية وممن وصلوا إلى حيث الأساطير والعنقاء ,لكنهم كانوا ليس أكثر من "أمراء بلاط وسلاطين",حصل ناجي العلي على مكانته "بعرق جبينه",دون أي واسطة أو قصيدة عصماء,ولا مقال من النوع الذي يتقيا الإنسان بعد قراءته,لم يمدح أحدا ,ولم يتزلف لاحد,لانه لم ينتظر الشيك آخر الشهر ,كان قلمه كل شئ,وريشته التي آلمت كثرمن أصحاب الياقات والكروش,أما هو فلم يكن من أصحاب الكروش ولا القروش .

لم يكن حنظلة ناجي العلي مجرد توقيع لرسام كاريكاتير,لقد كان ذروة ما يمكن أن تنتجه حالة المواجهة,فقد اختاره مقاوما من الدرجة الأولى ,طفل لا يشيخ,لا يمد يده للمساومة,ينظر إلى الإمام إلى الغد,جميل هذا حنظله ,اما غده فكان انتفاضة,وحجارة تصرخ في زمن يغتال ريشة الفنان وسط عاصمة الاستعمار لندن,كانت حجارة العلي مكومة في كل مكان تنتظر من يلتقطها,في أزقة المخيم,وفي حقول القرى وحتى بجانب دور السينما في المدن,لا باس ,فالمدن أيضا تنازلت عن أناقتها ولياقتها لتقول شيئا.

تراكمت حجارة ناجي العلي,منذ النكبة حتى بيروت,وفي بيروت اكتشف ناجي العلي حجم الكارثة,وحجم الكروش والقروش,وعلى ذلك تم اغتياله.
ودائما اسأل لماذا تغيب الكروش التي يتحدث عنها ناجي العلي والقروش كذلك,سؤال محير؟
كان ناجي العلي مميزا لأنه رسم من الألم,ولأنه خط الخطوط بين البداية وبين النهاية ,بين أن تكون مناضلا نظيفا تفضل سروال مرقع حتى تقول كلمتك,وبين أن تكون مناضلا خمس نجوم,تتنقل بين فنادق لندن وباريس لتحسن اختيار بدله النضال وياقة التلفزيون.

لم أحب شيئا مما أنتجه الفلسطينيون في العصر الحديث من فن مثلما أحببت رسومات ناجي العلي,كانت بدون تكلف ,لا تبحث عن قافية ,ولا عن كلمات ملائمة لأنه"يجوز للشاعر ما يجوز لغيره".
كانت رسوماته فوق العادة,لم اشعر بقرب إلى موقف مثلما شعرت في رسومات ناجي العلي.
كانت بسيطة للغاية, ورائعة للغاية . ولطيفة للغاية .ومذهلة للغاية,وكانت دائما تدهشني,كانت روايتنا كلنا نحن الفلسطينيين ,الذين هنا والذين في الشتات,الذين في المخيم والذين في المدينة.

كم جميل أن نشاهد رسوماته الآن, وحنظله وفاطمة,وأصحاب الكروش,الذين يبيعون الشهداء على شاشات التلفاز أو في اجتماع شعبي ,الذين يحتالون حتى على الوقوف على أرواح الشهداء دقيقة صمت,فلا يجدوا إلا فقيرا واحدا من أنصار حنظله يجلس في الصف الأول,رجله مكسورة ومعه عكاز,لا يجد صاحب الكرش كرسي شاغر,يفكر كيف يحتال ليفرغ احدهم كرسي,لا احد من أصحاب الكروش يفعل ذلك,فيبحث عن طريقة يضطر به الفقير ترك كرسيه فلا يجد إلا أن يطلب من الحضور الوقوف خمسة دقائق حداد,لا احد يقف إلا الفقير صاحب السروال المرقع,أما هو فيقوم بمصادرة كرسيه,وأما الفقير فيبقى واقفا مثل حنظلة بالضبط لوحده ,ويجلس أصحاب الكروش ,وما زالوا يجلسون أصلا.

المصـدر: الـعـرب.

أبو الفحم
12/09/2008, 15:04
لا وألف لا
ناجي العلي أبو الفلاسفة
وريشته ستبقى تنطق وتفرخ زغبا ثم ريشا تتناقله الاجيال
بصماته خالدة محفورة في وجه التاريخ يكفي منها حنظلة...
حتى موتك يا ناجي هو جزء من الملحمة ؟!