VivaSyria
09/09/2008, 01:43
لم يتوقف المستوى السياسي الأمني عن التدخل في قضية ميشيل كيلو، ولو للحظة واحدة، رغم الغطاء القضائي الذي اختير لها، للتستر على غرائبها وعجائبها ذات الطابع السياسي الأمني الصرف، والمخالف للقانون.
يوم الاعتقال، أبلغ العميد تركي علم الدين ميشيل كيلو أن المؤسسة الأمنية قررت توقيفه، لأنه يدعو إلى فصل لبنان عن سورية. وفي اليوم التالي كرر قاضي التحقيق القضائي الأسئلة عينها التي كان قد طرحها عليه قبل ساعات محققان أمنيان في فرع أمن الدولة رتبة كل منهما عميد في الأمن. حين أبدى ميشيل كيلو استغرابه لهذا التطابق الحرفي بين التحقيقين صمت المحقق القضائي واكتفى بهز كتفيه تعبيراً عن الحرج.
في السجن، وخلال الأيام الأولى، جاء من يقول: بينكم أربعة سيتم منع محاكمتهم وأربعة سيخلى سبيلهم، واثنان سيحاكمان وسيدانان هما ميشيل كيلو وأنور البني، وسيصدر عليهما حكم بالسجن لثلاثة أعوام.
بعد شهر من ذلك، صدر قرار بمنع محاكمة أربعة من الموقوفين، وبعد شهر آخر كان أربعة آخرون قد أخلي سبيلهم، وبقي في السجن ميشيل كيلو وأنورالبني. عندئذ حدثت واقعة دلت على دخول التدخل الأمني/ السياسي في القضية وفي طور جديد، فقد نشرت صحافية لبنانية لم يعرف عنها أي تدخل في الشأن الداخلي السوري مقالة في جريدة الثورة تقول فيها إن ميشيل كيلو التقى مروان حمادة في قبرص وقبض منه مالاً دفعه للذين وقعوا الإعلان من السوريين، وقالت السيدة ماريا معلوف (هذا هو اسمها) أن التحقيق أظهر ذلك وأن هذه هي الحقيقة.
أرسل ميشيل كيلو من السجن رسالة إلى جريدة الثورة طالباً تكذيب الخبر، عملاً بحق النشر، وأرسل أخرى إلى النائب العام لإقامة دعوى قضائية ضد السيدة معلوف، وأرفق الرسالة الثانية بصور زنكوغرافية لجوازات سفره خلال خمسة عشر عاماً، يتبين منها أنه لم يكن يوماً في قبرص. امتنعت الجريدة عن نشر التصحيح، ومنع المحامي العام إقامة الدعوى بذريعة أنه يدرسها. هذه الدراسة لم تنته إلى اليوم وقد منعت أجهزة النيابات العامة في جميع مدن سورية موقعي الإعلان من إقامة دعاوى ضد السيدة معلوف، فكان سلوكها دليلاً قاطعاً على صدور تعليمات مركزية إليها.
في هذه الأثناء، كانت آلة دعائية رسمية منسقة تستهدف ميشيل كيلو بسلسلة من الإشاعات والأكاذيب والمعلومات المغلوطة، فهو قد اتفق مع عبد الحليم خدام على الإعلان، وهو أساء إلى موقف سورية في مجلس الأمن، وتسبب في صدور القرار 1640 ضدها (هذه التهم المضحكة لا تبعث على الضحك بل بالأحرى على الأسى!). وحين طلب ميشيل من القاضي محاكمته بتهم الاتصال بخدام ومروان حمادة، أبلغه أن أحداً في القضاء لا يوجه هذه التهم إليه، وأن تهمته تقتصر على ((إضعاف الشعور القومي وإثارة النعرات المذهبية والقومية)). وحين طالب القاضي بحمايته من التهم الماسة بوطنيته وكرامته الشخصية، ابتسم وقال أنه لا يستطيع فعل شيء له، علماً بأنه يجب أن يكون مشمولاً بحماية القضاء، وأنه لا يحق لأحد توجيه تهم كيفية إليه، والمؤسف أن الحملة كانت منظمة تحت إشراف الأمن، وأن عملاء معروفين له شاركوا فيها وأن قائدها لا يترك فرصة تمر دون التأكيد على احترامه القانون، والقضاء!
وقد بدا جلياً المدى الذي بلغه الموقف الشخصي لدى الجهات الرسمية من ميشيل كيلو، حين تم إلغاء قرار استئنافي بإخلاء سبيله، مبرم وغير قابل للطعن أو النقض، أصدرته قاضية الإحالة السيدة حليمة حيدر، أبلغ ميشيل به في السجن رسمياً وطلب إليه ضب أغراضه والذهاب إلى بيته، لكنه ما لبث أن ألغي خلال ساعتين من صدوره يوم 17/10/2006 ذلك أن المحامي العام السيد محمد مروان اللوجي أنكر بكل بساطة صدور قرار كهذا، رغم تزويده من قبل المحامي الأستاذ حسن عبد العظيم بصورة الكفالة المالية، المدفوعة لدى مديرية مالية دمشق. وللعلم، فإن اللوجي هو الذي منع إقامة الدعوى ضد السيدة معلوف، وهو الذي عمل كحلقة وصل بين الأمن والقضاء وبالعكس. لم يكتف النظام بإلغاء إخلاء سبيل ميشيل كيلو، أسوة بزملائه الأربعة الذين كانوا قد أخلي سبيلهم، الأمر الذي أوحى للسيدة حيدر بأن حالته لابد أن تكون مثل حالتهم، وأن إخلاء سبيله لن يثير لها أية مشكلات أو متاعب، وأنه إجراء قضائي بحت. عندما عرفت السيدة حيدر الواقع، طلبت من الأستاذ عبد العظيم إعفاءها من ((ميشيل كيلو وقضيته))، وأخبرته أنها لا تريد أن يلحق أذى بأسرتها أو بها من أجل ميشيل كيلو أو غيره. لقد كان جلياً أنها تلقت تهديدات، وبالمناسبة صدر أمر قضائي باعتقال الزملاء الأربعة الذي كان قد أخلي سبيلهم وتم بالفعل إعادة اعتقال واحد منهم هو الأستاذ محمود عيسى، بينما توارى الآخرون.
في المحكمة، كان القاضي أحمد البكري يبدي أسفه للموقف الحرج الذين وضعوه فيه، عندما كان يحدث ميشيل وراء أبواب موصدة، أما في جلسة الدفاع فقد قال حرفياً: ما بدنا سياسة، إذا بدكن تحكوا سياسة، بدي اتنحى عن الدعوى، هكذا، عوملت قضية سياسية بامتياز وكأنها قضية جنائية عادية، ومنع المحامون والمتهمون من الدفاع عن أنفسهم، ولأن كل شيء كان سيتوقف بمجرد أن يعلن البكري تنحيه عن القضية، لتبدأ من جديد عملية النزول إلى المحكمة في صندوق معدني مقفل لسيارة يسميها السجناء ((سيارة اللحمة))، مع سلاسل مربوطة حول المعصمين، وفي ظروف يصعب تصور ما هي عليه من امتهان لكرامة البشر.
بعد صدور الحكم في محاكمة صورية إلى أبعد حد، تواصلت الحملات ضد ميشيل كيلو، لكنها نسيت حكاية خدام الملفقة، ونسيت قضية مجلس الأمن والقرار 1640، بعد أن أثارت ما أثارته من سخرية وضحك السوريين، وابتكرت قصة جديدة تقول أن ميشيل كيلو اتفق على ربيع دمشق مع وليد جنبلاط ودعاه إلى قصف دمشق واحتلال سورية، فالقضية تصل إذن إلى إسرائيل وأمريكا.
هذه النغمة الفظيعة تكررت بلا توقف خلال العامين المنصرمين، دون أن يحرك القضاء ساكناً، ودون أن يصدر عنه ما يشي برغبته في الدفاع عن كرامته ووظيفته، وعن حق المواطنين في حماية قانونية.
كنا، نحن أصدقاء ميشيل كيلو وعارفيه، نستغرب هذا الإصرار على إلصاق تهم كاذبة ضده، وهو الذي كان أول من دعا إلى مركزية دور الداخل في المعارضة، وقال بضرورة إحداث قطيعة جذرية ونهائية مع أي استقواء بالخارج، وكتب مرات كثيرة حول هذه القضايا، وأعلن وكتب مرات عديدة أنه سيقاتل تحت قيادة النظام ضد أي غزو خارجي لسورية، وقال في أحد مقابلاته أن هناك محظورين لايجوز التساهل حيالهما هما: الفتنة في الداخل، والتدخل الخارجي في شؤون البلد، بل وأكد خلال اللقاءات معه أن حلول مشكلات البلاد يجب أن توضع خلال حوار هادئ وسلمي وتدريجي وآمن مع النظام، لأنه لا حل دون النظام أو ضده، وتعرض لاتهامات متنوعة وجهها إليه معارضون من جميع الصنوف والألوان بسبب مواقفه التصالحية وسعيه إلى فرض تهدئة داخلية شاملة عبر سياسات ترفض شعارات إسقاط النظام وترى في المصالحة الوطنية الشاملة طريقاً إلى خارج المأزق، بعد أن ألح كثيراً على أن المأزق صار أكبر من بقاء النظام أو ذهابه، وأنه غدا مأزقاً وطنياً شاملاً يمس الدولة والمجتمع والسلطة والناس، فلا بد من تضافر جهود هذه الأطراف جميعها لحله، بعيداً عن المغامرات والمزايدات والخطوات الحمقاء والحزبوية الضيقة.
كان ميشيل يؤكد أنه لا يعرف الأستاذ جنبلاط أو غيره من قادة لبنان، وأن معرفته تقتصر على دولة الرئيس سليم الحص الذي التقاه في ندوات ومحاضرات شاركا فيها، ولكن التهم تواصلت حتى بعد أن أعلن الأستاذ جنبلاط أنه لم يعرف يوماً ميشيل كيلو، وقال مروان حماده أنه لم يعرفه بدوره ولم يقم أي اتصال معه بل وانتقد موقفه وموقف المثقفين السوريين لأنهم صدقوا النظام ووعوده الإصلاحية.
إن ميشيل كيلو لم يعرف وليد جنبلاط أو سواه من قادة لبنان، ولم يقم معهم أية صلة مباشرة أو غير مباشرة، ولم يكاتبهم أو يراسلهم كما لم يكاتبوه أو يراسلوه، والسبب جلي وبسيط: كانوا مع النظام فكانت العلاقة معهم غير مجدية، وحين صاروا ضده بدأوا يطالبون بإسقاطه، في حين كان ميشيل كيلو يطالب بالمصالحة معه، وإذن فإن العلاقة معهم كان من شأنها أن تلقي بظلال من الشك على صدق مطالبته وموقفه.
هذا ليس حكم قيمة على هؤلاء السادة، إنه تقرير أمر واقع. وقد توقعنا أن تتغير مواقف النظام من ميشيل، بعد تصريح الأستاذ جنبلاط، لكن شيئاً لم يحدث، واستمرت التهم المضحكة، ومنها أنه كان يتلقى ألف دولار مقابل كل مقالة كتبها في جريدة النهار، والغريب أن هناك تقليد في سجون سورية، يقوم على إعطاء السجناء المنضبطين ربع مدة فترة سجنهم، بما أن سلوك ميشيل كيلو كان في قمة الانضباط فقد وافقت إدارة السجن على إعطائه ربع مدة فترة محكوميته، أي 9 أشهر من 36 شهراً. في العادة يتم بت هذا الطلب يوم تقديمه إلى المحكمة التي أصدرت الحكم. هذه المرة تم تقديم الطلب يوم 17/8/ ، فقال القاضي البكري أنه لا يستطيع البت فيه لأن أحد مستشاري المحكمة غائب، ووعد بحسم الأمر في اليوم التالي. لكن شيئاً من ذلك لم يحدث في اليوم التالي والذي يليه والذي يلي الذي يليه. أخيراً، أبلغ البكري يوم الأربعاء الماضي أن الطلب رفض، والتبرير أن إعطاء ربع المدة ليس أمراً عادياً بل هو استثنائي، فهو يعطى لمن كانوا حسني السيرة والسلوك خلال سجنهم، ذكّره المحامون أن هذا هو أيضاً وضع ميشيل، بشهادة إدارة السجن الموثقة والرسمية، فقال لهم أنتم تعرفون من يقرر في مثل هذه الأمور إنه ليس القضاء.
هذه الواقعة تفتح مرة جديدة أعيننا على حقيقة مخيفة هي أن ميشيل كيلو لا يعامل حسب قانون أو عرف قضائي، وأن قضيته تصير أكثر فأكثر شخصية، حتى صرنا نخشى أن لا يتم إطلاق سراحه يوم 15/5/2009، وأن يصار إلى احتجازه إما بتهم قضائية جديدة، أو بأمر عرفي ما، وللعلم، وبعد زيارة الرئيس إلى فرنسا، صدر قرار من وزير العدل بتسليم المحكومين القضائيين لأسباب سياسية (وميشيل منهم) إلى الفرع الأمني الذي اعتقلهم وكان هؤلاء يذهبون في الماضي إلى بيوتهم بمجرد انتهاء فترة حكمهم.
إننا نعبر في هذه المناسبة المؤلمة، مناسبة رفض منح ميشيل ربع مدة يستحقها بشهادة إدارة سجن عدرا، عن أسفنا لما يحدث، ونود إبلاغ الرأي العام وأصدقاء ميشيل وهم كثر بين مثقفي ومواطني سورية والوطن العربي والعالم، وقد عرضنا وضعه بالتفصيل، وبالوقائع كي لا يغيب دعم الرأي العام والمثقفين في كل مكان عنه، ولا تضيع حريته وحقوقه بين طرف قضائي يعمل تحت إشراف الأمن، وجهاز أمني سياسي يعمل خارج أي قانون.
بعد أن شرع النظام يطبق ما طالب به إعلان بيروت ـ دمشق، تناهت إلى أسماعنا ممن طالبوا بإطلاق سراح ميشيل كيلو أن ميشيل كيلو لن يغادر السجن والاعتقال حتى يعتذر عن الإعلان وعن علاقته بجنبلاط. ماجدوى أو مبرر المطالبة بالاعتذار عن شيء ثبت أنه غير صحيح، وإنه لم يحدث يوماً ألا وهو العلاقة مع جنبلاط؟ وهل يعتذر الإنسان عن شيء لم يفعله؟. أما حان وقت مغادرة هذه العقلية السلطوية التي تضع كرامة الإنسان في مواجهة مع حريته، فإن اختار الإنسان كرامته خسر حريته، وإن اختار حريته كان عليه التضحية بكرامته! أية عقلية هي هذه العقلية. التي ترى في الحرية مدخلاً إلى الإذلال الذاتي، بينما هي في حقيقتها جوهر ومعنى كرامة الإنسان؟.
رسالة بريد إلكتروني وزعها أصدقاء ميشيل كيلو
يوم الاعتقال، أبلغ العميد تركي علم الدين ميشيل كيلو أن المؤسسة الأمنية قررت توقيفه، لأنه يدعو إلى فصل لبنان عن سورية. وفي اليوم التالي كرر قاضي التحقيق القضائي الأسئلة عينها التي كان قد طرحها عليه قبل ساعات محققان أمنيان في فرع أمن الدولة رتبة كل منهما عميد في الأمن. حين أبدى ميشيل كيلو استغرابه لهذا التطابق الحرفي بين التحقيقين صمت المحقق القضائي واكتفى بهز كتفيه تعبيراً عن الحرج.
في السجن، وخلال الأيام الأولى، جاء من يقول: بينكم أربعة سيتم منع محاكمتهم وأربعة سيخلى سبيلهم، واثنان سيحاكمان وسيدانان هما ميشيل كيلو وأنور البني، وسيصدر عليهما حكم بالسجن لثلاثة أعوام.
بعد شهر من ذلك، صدر قرار بمنع محاكمة أربعة من الموقوفين، وبعد شهر آخر كان أربعة آخرون قد أخلي سبيلهم، وبقي في السجن ميشيل كيلو وأنورالبني. عندئذ حدثت واقعة دلت على دخول التدخل الأمني/ السياسي في القضية وفي طور جديد، فقد نشرت صحافية لبنانية لم يعرف عنها أي تدخل في الشأن الداخلي السوري مقالة في جريدة الثورة تقول فيها إن ميشيل كيلو التقى مروان حمادة في قبرص وقبض منه مالاً دفعه للذين وقعوا الإعلان من السوريين، وقالت السيدة ماريا معلوف (هذا هو اسمها) أن التحقيق أظهر ذلك وأن هذه هي الحقيقة.
أرسل ميشيل كيلو من السجن رسالة إلى جريدة الثورة طالباً تكذيب الخبر، عملاً بحق النشر، وأرسل أخرى إلى النائب العام لإقامة دعوى قضائية ضد السيدة معلوف، وأرفق الرسالة الثانية بصور زنكوغرافية لجوازات سفره خلال خمسة عشر عاماً، يتبين منها أنه لم يكن يوماً في قبرص. امتنعت الجريدة عن نشر التصحيح، ومنع المحامي العام إقامة الدعوى بذريعة أنه يدرسها. هذه الدراسة لم تنته إلى اليوم وقد منعت أجهزة النيابات العامة في جميع مدن سورية موقعي الإعلان من إقامة دعاوى ضد السيدة معلوف، فكان سلوكها دليلاً قاطعاً على صدور تعليمات مركزية إليها.
في هذه الأثناء، كانت آلة دعائية رسمية منسقة تستهدف ميشيل كيلو بسلسلة من الإشاعات والأكاذيب والمعلومات المغلوطة، فهو قد اتفق مع عبد الحليم خدام على الإعلان، وهو أساء إلى موقف سورية في مجلس الأمن، وتسبب في صدور القرار 1640 ضدها (هذه التهم المضحكة لا تبعث على الضحك بل بالأحرى على الأسى!). وحين طلب ميشيل من القاضي محاكمته بتهم الاتصال بخدام ومروان حمادة، أبلغه أن أحداً في القضاء لا يوجه هذه التهم إليه، وأن تهمته تقتصر على ((إضعاف الشعور القومي وإثارة النعرات المذهبية والقومية)). وحين طالب القاضي بحمايته من التهم الماسة بوطنيته وكرامته الشخصية، ابتسم وقال أنه لا يستطيع فعل شيء له، علماً بأنه يجب أن يكون مشمولاً بحماية القضاء، وأنه لا يحق لأحد توجيه تهم كيفية إليه، والمؤسف أن الحملة كانت منظمة تحت إشراف الأمن، وأن عملاء معروفين له شاركوا فيها وأن قائدها لا يترك فرصة تمر دون التأكيد على احترامه القانون، والقضاء!
وقد بدا جلياً المدى الذي بلغه الموقف الشخصي لدى الجهات الرسمية من ميشيل كيلو، حين تم إلغاء قرار استئنافي بإخلاء سبيله، مبرم وغير قابل للطعن أو النقض، أصدرته قاضية الإحالة السيدة حليمة حيدر، أبلغ ميشيل به في السجن رسمياً وطلب إليه ضب أغراضه والذهاب إلى بيته، لكنه ما لبث أن ألغي خلال ساعتين من صدوره يوم 17/10/2006 ذلك أن المحامي العام السيد محمد مروان اللوجي أنكر بكل بساطة صدور قرار كهذا، رغم تزويده من قبل المحامي الأستاذ حسن عبد العظيم بصورة الكفالة المالية، المدفوعة لدى مديرية مالية دمشق. وللعلم، فإن اللوجي هو الذي منع إقامة الدعوى ضد السيدة معلوف، وهو الذي عمل كحلقة وصل بين الأمن والقضاء وبالعكس. لم يكتف النظام بإلغاء إخلاء سبيل ميشيل كيلو، أسوة بزملائه الأربعة الذين كانوا قد أخلي سبيلهم، الأمر الذي أوحى للسيدة حيدر بأن حالته لابد أن تكون مثل حالتهم، وأن إخلاء سبيله لن يثير لها أية مشكلات أو متاعب، وأنه إجراء قضائي بحت. عندما عرفت السيدة حيدر الواقع، طلبت من الأستاذ عبد العظيم إعفاءها من ((ميشيل كيلو وقضيته))، وأخبرته أنها لا تريد أن يلحق أذى بأسرتها أو بها من أجل ميشيل كيلو أو غيره. لقد كان جلياً أنها تلقت تهديدات، وبالمناسبة صدر أمر قضائي باعتقال الزملاء الأربعة الذي كان قد أخلي سبيلهم وتم بالفعل إعادة اعتقال واحد منهم هو الأستاذ محمود عيسى، بينما توارى الآخرون.
في المحكمة، كان القاضي أحمد البكري يبدي أسفه للموقف الحرج الذين وضعوه فيه، عندما كان يحدث ميشيل وراء أبواب موصدة، أما في جلسة الدفاع فقد قال حرفياً: ما بدنا سياسة، إذا بدكن تحكوا سياسة، بدي اتنحى عن الدعوى، هكذا، عوملت قضية سياسية بامتياز وكأنها قضية جنائية عادية، ومنع المحامون والمتهمون من الدفاع عن أنفسهم، ولأن كل شيء كان سيتوقف بمجرد أن يعلن البكري تنحيه عن القضية، لتبدأ من جديد عملية النزول إلى المحكمة في صندوق معدني مقفل لسيارة يسميها السجناء ((سيارة اللحمة))، مع سلاسل مربوطة حول المعصمين، وفي ظروف يصعب تصور ما هي عليه من امتهان لكرامة البشر.
بعد صدور الحكم في محاكمة صورية إلى أبعد حد، تواصلت الحملات ضد ميشيل كيلو، لكنها نسيت حكاية خدام الملفقة، ونسيت قضية مجلس الأمن والقرار 1640، بعد أن أثارت ما أثارته من سخرية وضحك السوريين، وابتكرت قصة جديدة تقول أن ميشيل كيلو اتفق على ربيع دمشق مع وليد جنبلاط ودعاه إلى قصف دمشق واحتلال سورية، فالقضية تصل إذن إلى إسرائيل وأمريكا.
هذه النغمة الفظيعة تكررت بلا توقف خلال العامين المنصرمين، دون أن يحرك القضاء ساكناً، ودون أن يصدر عنه ما يشي برغبته في الدفاع عن كرامته ووظيفته، وعن حق المواطنين في حماية قانونية.
كنا، نحن أصدقاء ميشيل كيلو وعارفيه، نستغرب هذا الإصرار على إلصاق تهم كاذبة ضده، وهو الذي كان أول من دعا إلى مركزية دور الداخل في المعارضة، وقال بضرورة إحداث قطيعة جذرية ونهائية مع أي استقواء بالخارج، وكتب مرات كثيرة حول هذه القضايا، وأعلن وكتب مرات عديدة أنه سيقاتل تحت قيادة النظام ضد أي غزو خارجي لسورية، وقال في أحد مقابلاته أن هناك محظورين لايجوز التساهل حيالهما هما: الفتنة في الداخل، والتدخل الخارجي في شؤون البلد، بل وأكد خلال اللقاءات معه أن حلول مشكلات البلاد يجب أن توضع خلال حوار هادئ وسلمي وتدريجي وآمن مع النظام، لأنه لا حل دون النظام أو ضده، وتعرض لاتهامات متنوعة وجهها إليه معارضون من جميع الصنوف والألوان بسبب مواقفه التصالحية وسعيه إلى فرض تهدئة داخلية شاملة عبر سياسات ترفض شعارات إسقاط النظام وترى في المصالحة الوطنية الشاملة طريقاً إلى خارج المأزق، بعد أن ألح كثيراً على أن المأزق صار أكبر من بقاء النظام أو ذهابه، وأنه غدا مأزقاً وطنياً شاملاً يمس الدولة والمجتمع والسلطة والناس، فلا بد من تضافر جهود هذه الأطراف جميعها لحله، بعيداً عن المغامرات والمزايدات والخطوات الحمقاء والحزبوية الضيقة.
كان ميشيل يؤكد أنه لا يعرف الأستاذ جنبلاط أو غيره من قادة لبنان، وأن معرفته تقتصر على دولة الرئيس سليم الحص الذي التقاه في ندوات ومحاضرات شاركا فيها، ولكن التهم تواصلت حتى بعد أن أعلن الأستاذ جنبلاط أنه لم يعرف يوماً ميشيل كيلو، وقال مروان حماده أنه لم يعرفه بدوره ولم يقم أي اتصال معه بل وانتقد موقفه وموقف المثقفين السوريين لأنهم صدقوا النظام ووعوده الإصلاحية.
إن ميشيل كيلو لم يعرف وليد جنبلاط أو سواه من قادة لبنان، ولم يقم معهم أية صلة مباشرة أو غير مباشرة، ولم يكاتبهم أو يراسلهم كما لم يكاتبوه أو يراسلوه، والسبب جلي وبسيط: كانوا مع النظام فكانت العلاقة معهم غير مجدية، وحين صاروا ضده بدأوا يطالبون بإسقاطه، في حين كان ميشيل كيلو يطالب بالمصالحة معه، وإذن فإن العلاقة معهم كان من شأنها أن تلقي بظلال من الشك على صدق مطالبته وموقفه.
هذا ليس حكم قيمة على هؤلاء السادة، إنه تقرير أمر واقع. وقد توقعنا أن تتغير مواقف النظام من ميشيل، بعد تصريح الأستاذ جنبلاط، لكن شيئاً لم يحدث، واستمرت التهم المضحكة، ومنها أنه كان يتلقى ألف دولار مقابل كل مقالة كتبها في جريدة النهار، والغريب أن هناك تقليد في سجون سورية، يقوم على إعطاء السجناء المنضبطين ربع مدة فترة سجنهم، بما أن سلوك ميشيل كيلو كان في قمة الانضباط فقد وافقت إدارة السجن على إعطائه ربع مدة فترة محكوميته، أي 9 أشهر من 36 شهراً. في العادة يتم بت هذا الطلب يوم تقديمه إلى المحكمة التي أصدرت الحكم. هذه المرة تم تقديم الطلب يوم 17/8/ ، فقال القاضي البكري أنه لا يستطيع البت فيه لأن أحد مستشاري المحكمة غائب، ووعد بحسم الأمر في اليوم التالي. لكن شيئاً من ذلك لم يحدث في اليوم التالي والذي يليه والذي يلي الذي يليه. أخيراً، أبلغ البكري يوم الأربعاء الماضي أن الطلب رفض، والتبرير أن إعطاء ربع المدة ليس أمراً عادياً بل هو استثنائي، فهو يعطى لمن كانوا حسني السيرة والسلوك خلال سجنهم، ذكّره المحامون أن هذا هو أيضاً وضع ميشيل، بشهادة إدارة السجن الموثقة والرسمية، فقال لهم أنتم تعرفون من يقرر في مثل هذه الأمور إنه ليس القضاء.
هذه الواقعة تفتح مرة جديدة أعيننا على حقيقة مخيفة هي أن ميشيل كيلو لا يعامل حسب قانون أو عرف قضائي، وأن قضيته تصير أكثر فأكثر شخصية، حتى صرنا نخشى أن لا يتم إطلاق سراحه يوم 15/5/2009، وأن يصار إلى احتجازه إما بتهم قضائية جديدة، أو بأمر عرفي ما، وللعلم، وبعد زيارة الرئيس إلى فرنسا، صدر قرار من وزير العدل بتسليم المحكومين القضائيين لأسباب سياسية (وميشيل منهم) إلى الفرع الأمني الذي اعتقلهم وكان هؤلاء يذهبون في الماضي إلى بيوتهم بمجرد انتهاء فترة حكمهم.
إننا نعبر في هذه المناسبة المؤلمة، مناسبة رفض منح ميشيل ربع مدة يستحقها بشهادة إدارة سجن عدرا، عن أسفنا لما يحدث، ونود إبلاغ الرأي العام وأصدقاء ميشيل وهم كثر بين مثقفي ومواطني سورية والوطن العربي والعالم، وقد عرضنا وضعه بالتفصيل، وبالوقائع كي لا يغيب دعم الرأي العام والمثقفين في كل مكان عنه، ولا تضيع حريته وحقوقه بين طرف قضائي يعمل تحت إشراف الأمن، وجهاز أمني سياسي يعمل خارج أي قانون.
بعد أن شرع النظام يطبق ما طالب به إعلان بيروت ـ دمشق، تناهت إلى أسماعنا ممن طالبوا بإطلاق سراح ميشيل كيلو أن ميشيل كيلو لن يغادر السجن والاعتقال حتى يعتذر عن الإعلان وعن علاقته بجنبلاط. ماجدوى أو مبرر المطالبة بالاعتذار عن شيء ثبت أنه غير صحيح، وإنه لم يحدث يوماً ألا وهو العلاقة مع جنبلاط؟ وهل يعتذر الإنسان عن شيء لم يفعله؟. أما حان وقت مغادرة هذه العقلية السلطوية التي تضع كرامة الإنسان في مواجهة مع حريته، فإن اختار الإنسان كرامته خسر حريته، وإن اختار حريته كان عليه التضحية بكرامته! أية عقلية هي هذه العقلية. التي ترى في الحرية مدخلاً إلى الإذلال الذاتي، بينما هي في حقيقتها جوهر ومعنى كرامة الإنسان؟.
رسالة بريد إلكتروني وزعها أصدقاء ميشيل كيلو