yass
08/09/2008, 01:12
في سياق حديثي منذ أيام مع صديق عزيز حول محمود درويش, شاعر الضمير الفلسطيني, الحي مهما حاول حجر القبر أن ينفي ذلك, تذكرت يوم قابلت محمود درويش في سانتياغو منذ عامين و نصف تقريبا.
كان محمود درويش مدعوا إلى مدينة سانتياغو لتلقي جائزة "شاعر غاليثيا العالمي", و بمناسبة هذه الجائزة ألقى محاضرة حضرها جمع غفير من مثقفي المدينة, و لوحظ فيها غياب الوجود العربي (حيث أنني فوجئت بأن الأغلبية العظمى من الطلاب العرب لا يعلمون عنه شيئا, فقط السوريون منهم يتذكرون أنهم درسوه في مناهج المرحلة الإعدادية, و بعض الفلسطينيين و خصوصا الإسلاميين منهم كالوا له من الكلام ما لا يمكن وصفه كمديح أو إطراء).
كنت مستنفرا منذ أيام عديدة, اتصل بالأصدقاء الذين كنت أعتقد أن الحدث يمكن أن يهمهم, أحضّر دواوينه الموجودة لدي لكي يوقع عليها, أقرأ و أقرأ و أعيد تقليب سيرته و قصة حياته.. يا إلهي! سأقابل رمزا من رموز الإنسانية.. هذا لا يحدث كل يوم!
و جاء اليوم..
كان يوم اثنين.. السابع عشر من نيسان, عيدنا.. عيد الجلاء.. في الساعة السابعة, أي قبل المحاضرة بساعة و نصف وصلنا إلى قاعة المحاضرة, لم أستطع الجلوس.. وضعت معطفي و مظلتي و حقيبتي الجلدية في المكان الذي استطعت الحصول عليه, و خرجت إلى البهو حاملا كاميرتي أنتظر وصول الضيف العظيم بفارغ الصبر.. و وصل قبل الموعد بخمس دقائق, محاطا بالعديد من الصحفيين, مصحوبا بمترجمه و سفير السلطة الوطنية الفلسطينية في مدريد.. بدأت بالتصوير و أنا أشعر بأنني أرتجف.. لا أدري لماذا أرتجف.. إنه مشهور .. فقط لا غير.. حاولت أن أقنع نفسي, لكنني لم أستطع أن أمنع نفسي من الارتجاف..
و بدأت المحاضرة..
حاضر فيها عن فلسطين, عن أرضه, عن شعبه.. عن أمله بتحقيق حلمه بأن يكون لديه مسؤولين فلسطينيين يسبهم و يلعن فسادهم, أن يكون لديه حكومة فلسطينية يكرهها و يكره بيروقراطية.. لكن يكفيه أن تكون فلسطينية حقيقة...
سبحنا في بحر كلماته و عباراته و أفكاره... أحلامه و آماله و تطلعاته... مستقبله.. حزنه أشجانه فرحه... حبه... عشقه... وطنه
بعد محاضرة رائعة دامت ما يناهز الساعة و نصف جاء دور الأسئلة...
أول سؤال كان من سيدة في العقد السادس من العمر, لم تكن تريد سؤاله, بل طلبت منه فقط أن يلقي بعض شعره على الحضور.. أجابها بأنه كيف سيلقي شعرا لا يفهمه من الحضور إلا "هالكم عربي" الموجودين؟ فقالت له أنه لا يهم... فقط تريد سماع موسيقى كلماته..
و ألقى قصيدة "أحن إلى خبز أمي"...
و فجأة رفعت يدي طالبا الدور للسؤال.. كنت قد وعدت صديقي أن لا أسأل في المحاضرة (صديقي من النوع الخجول جدا و كان قد شارطني أن لا أسأل في المحاضرة انما أن أحاول الحديث معه بعد نهايتها) و جيء لي بالميكروفون...
نظرت حولي... واقف في وسط الجمهور.. بيدي ميكروفون.. و لا أعلم ماذا أقول...
كلمت المترجم و طلبت منه أن يدعني أسأله بالعربية, ألا يترجم له ما سوف أقول بالاسبانية أولا (في جمهور لا يفهم العربية, كان من اللياقة ذكر ما سوف أقوله أولا بلغة الجمهور ثم التوجه للضيف)..
قلت بالاسبانية أن المداخلة الأولى ليست سؤالا.. إنها اعتذار... فأنا كرهت محمود درويش, و كرهت كلماته و كرهت قصائده في كل مرة أجبرت فيها على حفظها في المدرسة دون أن يكلف أحد نفسه بأن يشرح لي الكنز الذي أحشوه في ذاكرتي, كرهته عندما حملت أشعاره كالدابة التي تحمل الكتاب... كرهته و كرهت أمثاله.. و قد تراجعت لحسن الحظ عن هذه الكراهية, و أود أن أعترف له كاعتراف المذنب على فراش الموت أمام الكاهن... و قلت له أن هذا ليس شعورا خاصا بي.. فغالبا يشاركني فيه الكثير من أبناء جيلي السوريين...
سمع الجمهور مداخلتي و ضحكوا جميعا... قهقهة السفير الفلسطيني دوت في القاعة رغم يقيني بأنه لم يفهم حرفا واحدا مما تكلمت.. نظرت إلى محمود درويش فرأيته مستغربا ردة الفعل, لم يكن قد فهم الحديث الدائر بالاسبانية..
عندها توجهت إليه.. سلّمت علي فرد التحية باستغراب.. من هذا الظريف الذي أضحك الجمهور بقفشاته؟ هل هذه محاضرة نكات؟ أعدت قول ما قلته بالاسبانية.. أنهيت كلامي و أنا أرتجف و أنظر إليه.. بقي صامتا للحظة.. قرّب الميكروفون إليه و قال لي: طيب بتكرهني...شو لازم اعمل؟
تبلكمت.. لم يكن قد فهم مداخلتي.. ظنني أقول أنني أكرهه الآن.. حاولت التوضيح فخانني اللفظ.. أنا الذي أرش الكلام رشا بدون توقف... أحسست بنفس الشعور الذي انتابني عندما كنت في الثاني الإعدادي و حاولت أن أقول لزميلة في الصف أنني أحبها و لم أستطع... نفس الشعور الذي لم يكن قد تكرر منذ ذلك الوقت..
أسعفني المترجم و شرح له ما أقصد من مداخلتي.. ففهم أخيرا ما كنت أريد قوله.. ابتسم.. ثم ضحك قليلا.. و نظر إلي ليقول:" كنت بتكرهني.. يعني الآن حبايب و مافي كراهية".. جاوبته بالإيجاب و أنا أبتسم... ثم قال لي: لو بيحفظوني قصايدي بالغصب أنا كمان رح أكره حالي.. و لكن رغم اللي عم تقوله.. ما حسيت جمهور يحبني قد الجمهور السوري.. بكل دول العالم.. حتى ببلدي.. أنا بلقي شعر بقاعات متل هاي.. قاعات صغيرة يعني.. الا لما أروح على سوريا بلقي بملاعب كرة القدم.. لأنو مافي قاعة بتوسع الجمهور اللي جاي لعندي..
و انتهى موقفي الصعب.. ألقيت المداخلة الثانية.. التي سأوفرها هي و المحادثة التي جرت معه في الكوكتيل الذي تلا نهاية المحاضرة لمقالة مقبلة...
لإنهاء قصة كراهيتي لمحمود درويش, أذكر أنه في السنة الماضية, في فعاليات مهرجان أمال للسينما العربية الذي يقام بسانتياغو كل سنة, دعيت إلى العشاء بحضور مخرج فلسطيني يقيم في مدريد و يعمل بها, استغربت الدعوة من صديق يعمل في الشركة المنظمة للمهرجان, و عندما وصلت انتهى استغرابي: كان المخرج يريد استغلال فرصة أنه موجود في سانتياغو ليتعرّف على الشاب الذي قال لمحمود درويش أنه كرهه.. فقد روى الشاعر لمضيفيه المداخلة عند عودته إلى مدريد بعد تلقيه الجائزة و قبل العودة إلى أرض الوطن...
خالد أنت و شعرك يا محمود درويش.... و صدقني لن أكرهك بعد الآن
Yass
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
كان محمود درويش مدعوا إلى مدينة سانتياغو لتلقي جائزة "شاعر غاليثيا العالمي", و بمناسبة هذه الجائزة ألقى محاضرة حضرها جمع غفير من مثقفي المدينة, و لوحظ فيها غياب الوجود العربي (حيث أنني فوجئت بأن الأغلبية العظمى من الطلاب العرب لا يعلمون عنه شيئا, فقط السوريون منهم يتذكرون أنهم درسوه في مناهج المرحلة الإعدادية, و بعض الفلسطينيين و خصوصا الإسلاميين منهم كالوا له من الكلام ما لا يمكن وصفه كمديح أو إطراء).
كنت مستنفرا منذ أيام عديدة, اتصل بالأصدقاء الذين كنت أعتقد أن الحدث يمكن أن يهمهم, أحضّر دواوينه الموجودة لدي لكي يوقع عليها, أقرأ و أقرأ و أعيد تقليب سيرته و قصة حياته.. يا إلهي! سأقابل رمزا من رموز الإنسانية.. هذا لا يحدث كل يوم!
و جاء اليوم..
كان يوم اثنين.. السابع عشر من نيسان, عيدنا.. عيد الجلاء.. في الساعة السابعة, أي قبل المحاضرة بساعة و نصف وصلنا إلى قاعة المحاضرة, لم أستطع الجلوس.. وضعت معطفي و مظلتي و حقيبتي الجلدية في المكان الذي استطعت الحصول عليه, و خرجت إلى البهو حاملا كاميرتي أنتظر وصول الضيف العظيم بفارغ الصبر.. و وصل قبل الموعد بخمس دقائق, محاطا بالعديد من الصحفيين, مصحوبا بمترجمه و سفير السلطة الوطنية الفلسطينية في مدريد.. بدأت بالتصوير و أنا أشعر بأنني أرتجف.. لا أدري لماذا أرتجف.. إنه مشهور .. فقط لا غير.. حاولت أن أقنع نفسي, لكنني لم أستطع أن أمنع نفسي من الارتجاف..
و بدأت المحاضرة..
حاضر فيها عن فلسطين, عن أرضه, عن شعبه.. عن أمله بتحقيق حلمه بأن يكون لديه مسؤولين فلسطينيين يسبهم و يلعن فسادهم, أن يكون لديه حكومة فلسطينية يكرهها و يكره بيروقراطية.. لكن يكفيه أن تكون فلسطينية حقيقة...
سبحنا في بحر كلماته و عباراته و أفكاره... أحلامه و آماله و تطلعاته... مستقبله.. حزنه أشجانه فرحه... حبه... عشقه... وطنه
بعد محاضرة رائعة دامت ما يناهز الساعة و نصف جاء دور الأسئلة...
أول سؤال كان من سيدة في العقد السادس من العمر, لم تكن تريد سؤاله, بل طلبت منه فقط أن يلقي بعض شعره على الحضور.. أجابها بأنه كيف سيلقي شعرا لا يفهمه من الحضور إلا "هالكم عربي" الموجودين؟ فقالت له أنه لا يهم... فقط تريد سماع موسيقى كلماته..
و ألقى قصيدة "أحن إلى خبز أمي"...
و فجأة رفعت يدي طالبا الدور للسؤال.. كنت قد وعدت صديقي أن لا أسأل في المحاضرة (صديقي من النوع الخجول جدا و كان قد شارطني أن لا أسأل في المحاضرة انما أن أحاول الحديث معه بعد نهايتها) و جيء لي بالميكروفون...
نظرت حولي... واقف في وسط الجمهور.. بيدي ميكروفون.. و لا أعلم ماذا أقول...
كلمت المترجم و طلبت منه أن يدعني أسأله بالعربية, ألا يترجم له ما سوف أقول بالاسبانية أولا (في جمهور لا يفهم العربية, كان من اللياقة ذكر ما سوف أقوله أولا بلغة الجمهور ثم التوجه للضيف)..
قلت بالاسبانية أن المداخلة الأولى ليست سؤالا.. إنها اعتذار... فأنا كرهت محمود درويش, و كرهت كلماته و كرهت قصائده في كل مرة أجبرت فيها على حفظها في المدرسة دون أن يكلف أحد نفسه بأن يشرح لي الكنز الذي أحشوه في ذاكرتي, كرهته عندما حملت أشعاره كالدابة التي تحمل الكتاب... كرهته و كرهت أمثاله.. و قد تراجعت لحسن الحظ عن هذه الكراهية, و أود أن أعترف له كاعتراف المذنب على فراش الموت أمام الكاهن... و قلت له أن هذا ليس شعورا خاصا بي.. فغالبا يشاركني فيه الكثير من أبناء جيلي السوريين...
سمع الجمهور مداخلتي و ضحكوا جميعا... قهقهة السفير الفلسطيني دوت في القاعة رغم يقيني بأنه لم يفهم حرفا واحدا مما تكلمت.. نظرت إلى محمود درويش فرأيته مستغربا ردة الفعل, لم يكن قد فهم الحديث الدائر بالاسبانية..
عندها توجهت إليه.. سلّمت علي فرد التحية باستغراب.. من هذا الظريف الذي أضحك الجمهور بقفشاته؟ هل هذه محاضرة نكات؟ أعدت قول ما قلته بالاسبانية.. أنهيت كلامي و أنا أرتجف و أنظر إليه.. بقي صامتا للحظة.. قرّب الميكروفون إليه و قال لي: طيب بتكرهني...شو لازم اعمل؟
تبلكمت.. لم يكن قد فهم مداخلتي.. ظنني أقول أنني أكرهه الآن.. حاولت التوضيح فخانني اللفظ.. أنا الذي أرش الكلام رشا بدون توقف... أحسست بنفس الشعور الذي انتابني عندما كنت في الثاني الإعدادي و حاولت أن أقول لزميلة في الصف أنني أحبها و لم أستطع... نفس الشعور الذي لم يكن قد تكرر منذ ذلك الوقت..
أسعفني المترجم و شرح له ما أقصد من مداخلتي.. ففهم أخيرا ما كنت أريد قوله.. ابتسم.. ثم ضحك قليلا.. و نظر إلي ليقول:" كنت بتكرهني.. يعني الآن حبايب و مافي كراهية".. جاوبته بالإيجاب و أنا أبتسم... ثم قال لي: لو بيحفظوني قصايدي بالغصب أنا كمان رح أكره حالي.. و لكن رغم اللي عم تقوله.. ما حسيت جمهور يحبني قد الجمهور السوري.. بكل دول العالم.. حتى ببلدي.. أنا بلقي شعر بقاعات متل هاي.. قاعات صغيرة يعني.. الا لما أروح على سوريا بلقي بملاعب كرة القدم.. لأنو مافي قاعة بتوسع الجمهور اللي جاي لعندي..
و انتهى موقفي الصعب.. ألقيت المداخلة الثانية.. التي سأوفرها هي و المحادثة التي جرت معه في الكوكتيل الذي تلا نهاية المحاضرة لمقالة مقبلة...
لإنهاء قصة كراهيتي لمحمود درويش, أذكر أنه في السنة الماضية, في فعاليات مهرجان أمال للسينما العربية الذي يقام بسانتياغو كل سنة, دعيت إلى العشاء بحضور مخرج فلسطيني يقيم في مدريد و يعمل بها, استغربت الدعوة من صديق يعمل في الشركة المنظمة للمهرجان, و عندما وصلت انتهى استغرابي: كان المخرج يريد استغلال فرصة أنه موجود في سانتياغو ليتعرّف على الشاب الذي قال لمحمود درويش أنه كرهه.. فقد روى الشاعر لمضيفيه المداخلة عند عودته إلى مدريد بعد تلقيه الجائزة و قبل العودة إلى أرض الوطن...
خالد أنت و شعرك يا محمود درويش.... و صدقني لن أكرهك بعد الآن
Yass
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////