-
دخول

عرض كامل الموضوع : من ابن حزم إلى MSN, MESSENGER


وائل 76
07/09/2008, 20:19
من ابن حزم إلى MSN, MESSENGER



إبراهيم قعدوني


جاهد أصحاب الأقلام عبر التاريخ في صياغة تعريف يحيط بظاهرة الحب، إلا أنَّ كل جهد جديد كان ينسخ ما قبله، فذهب الناس إلى البحث في علامات الحب وأعراضه بدلاً من البحث عن تعريفات لهذا المفهوم، ومن أهم ما وصلنا عن الحب والمحبين وأحوالهم، هو كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي، الذي يتحدث عن علامات الحب قائلاً:
"ومن علامات الحب أيضاً الدهشة والحيرة والخوف الذي يظهر على المحب عن رؤيته من يحب فجأة، وكذلك الاضطراب الذي يبدو على المحب عند رؤيته من يشبه محبوبه أو عند سماع اسمه فجأة"


لكن السؤال، متى تكون هذه العلامات متى تظهر وكيف تتبدى في عصرنا هذا، عصر السرعة والتقنيات المذهلة؟
لم يكن لدى الأندلسيين خدمة إنترنت ولا هواتف محمولة، فقط كانت النوافذ وينابيع المياه والبساتين تصل الأحبة ببعضهم، وكان الليل وحده ينقل أصواتهم وأشواقهم، فأين أنت الآن يا ابن حزم، لترى الكمبيوتر والإنترنت والموبايل؟ هل كنت ستعرف أعراض الحب؟! حين يهرع العاشق إلى كرسيَّه، يفتح الماسنجر واضعاً صورة حمراء ومزيِّناً اسمه بقافلة من قلوب الحب، بالتأكيد سيكون في وضع مشغول.. Busy.. وسترتجف أصابعه راقصةً كالأفاعي وهو يبثُ أشواقه ولوعته عبر الكلمات والأيقونات، قلوب تتطاير، روابط لأغنياتٍ جميلة، ساهماً في الشاشة، وكأنه يتملى وجه محبوبه، وغارقاً ينتظر أنْ يجود الوقت على هذا الخط فتظهر الصورة أو يصبح الصوت أكثر نقاءً، فثمة أشواق تحتاج معالجة عالية القدرة لقراءتها وآهات بحاجة إلى خطوط فائقة السرعة لحملها بأمانة.
سيكون العاشق الإنترنتي متضايقاً من أي كائن يلومه ويطلب منه أنْ يرحم نفسه من الجلوس لساعات طويلة أمام شاشة ملعونة، واضعاً تلك الأشياء على أذنيه، وكأنه في حِلٍّ من هذا العالم، ينتظر ظبيه الذي أخَّرته البايتات ويتسلَّى بحجب الآخرين واضعاً إشارة حظر.. Block.. على أسمائهم، فلا وقت لديه الآن سوى للحب، سوف يشعر الجميع بهذا الغياب الإلكتروني، وسيعرفون أنَّ الغرام أتى على صاحبهم فقاطعهم، متفرغاً لماسنجر العاشق المُحاط بالقلوب والورود.

ماذا لو كان لابن زيدون بريد إلكتروني، ولولاَّدة مثله أيضاً؟! سنتوقع بالتأكيد أنْ يُصاب ابن زيدون بالروماتيزم خلال أيامٍ قليلة نتيجة جلوسه الطويل أمام الشاشة، وسيكون مفلساً دوماً، يقايض قصائده وملابسه بساعات مؤجرة على الشبكة العنكبوتية في مقاهي غرناطة الإلكترونية، وستعاني ولاَّدة من زوغان في عينيها الجميلتين، نتيجة الجلوس الطويل أمام شاشة الكمبيوتر في قاعة الحاسوب بقصر أبيها المنيف، أو أمام حاسوبها المحمول في حجرتها الفاخرة، تنتظر أنْ يدخل ابن زيدون الماسنجر، ذاهبةً خلف وساوسها.. أين أنت يا ابن زيدون؟ أتراكَ دخلت إحدى غرف الدردشة الحمراء ووقعت في غرام فتاة سواي؟ والله أنا عندي برنامج الـ Block Checker، وسأعرف إنْ كنت قد حجبت اسمي ودخلت تتغزل بإحدى المعجبات.. الويل لك يا ابن زيدون...

تم الآن تسجيل دخول: إنِّي ذكرتُكِ بالزهراء مشتاقا.

ـ إنِّي ذكرتُكِ بالزهراء مشتاقا: حبيبة القلب.. ها قد وصلت.
ـ ولاَّدة: أين كنت أيها الملعون؟ في غرف الدردشة، أليس كذلك؟
ـ إنِّي ذكرتُكِ بالزهراء مشتاقا: فليسامح الله فاتنتي، أي دردشة هذه، لقد بعت نصف
قصائدي لكي أستأجر ساعة على الإنترنيت.
ـ ولاَّدة: يا ويلي عليك يا شاعري؟ حقَّاً..؟
ـ إنِّي ذكرتُكِ بالزهراء مشتاقا: أقسم لك يا ابنة المستكفي.
ـ ولاَّدة: سامحتك يا حبيبي، وتبَّاً لظنوني، سأفتح لك الويب كام، مكافأة لإخلاصك
ورأفة بحالك.
ـ إنِّي ذكرتُكِ بالزهراء مشتاقا: يحيا العدل.


"... تبدأ محادثة صوت وصورة بين العاشقين، وحده الله يعلم كيف ستنتهي! على الأقل لن تنتهي بدون أنْ تتصل ولاَّدة بموبايل ابن زيدون الخالي من الرصيد كالعادة، كي تتفق معه على موعد في إحدى الحدائق المخفية، فقد استعر الشوق والأمر لم يعد محتملاً.."

سيكون ابن حزم مشغولاً بمتابعة غرف الدردشة، واختراق ماسنجرات العشاق كي يكشف خفايا لقاءاتهم، مذهولاً بجلوسهم الطويل أمام هذه الأشياء الإلكترونية، مُتعجباً من القلوب والشفاه التي تتطاير هنا وهناك، مصدرة أصواتاً سيحسبها ابن حزم أصوات عفاريت وجان، وسيحتار بلا شك في معرفة العلامات التي تشير إلى كون الشخص عاشقاً أم لا، وسيعكف على تأليف كتاب مختلف عن كتاب "طوق الحمامة" ربما يكون "المختصر في أحاديث الماسنجر" أو "صيد البنات في غرف الشات"

أمَّا صاحبنا ابن زيدون، فقد باع كل قصائده وراح يمتدح الأمراء في طول البلاد وعرضها، حتى جنا ثمن Laptop وجلس مرتاحاً في بيته الصغير، ها قد صرت خبيراً يا ابن زيدون، واستطعت تحميل الإصدار الأخير من الماسنجر، المليء بالقلوب والابتسامات المدهشة، ما رأيك يا ابن زيدون أنْ تجرب الدخول إلى أحد المنتديات أو إلى إحدى غرف الدردشة؟ لن تعلم ولاَّدة يا رجل.. ثم باستطاعتك أنْ تحظر اسمها مؤقتاً، حتى يحالفك الحظ باستدراج ظبي ما إلى ماسنجرك.. هيا يا ابن زيدون، تشجع يا رجل!

يدخل ابن زيدون غرفة دردشة مزدحمة بالفتيات
يختار اسم مستعار: شاعر جِنتل
تتلقفه إحدى المتفرغات واسمها: إنتَ فين
بعد نصف ساعة، سوف يقنعها ابن زيدون بالدخول للحديث الخاص على الماسنجر، حسناً: أعطني عنوانك لو سمحت...
ويحك يا ابن زيدون!! هذا عنوان ولاَّدة.. وأسفاه على شبابك يا ابن زيدون.

بتصرف.!

عابرة
09/09/2008, 02:39
على طوق الحمامة السلام
ويحيا المختصر في أحاديث المسنجر

مقارنة رائعة وائل

ماشاء الله مبين عليك خبير بها الامور:p

يسلموا على ها الابداع

كل الود

Ms. J.A
09/09/2008, 12:05
ظريفة يا وائل :D
احنا بنتعرض لضغوطات كتير هالأيام وهلأ اكتشفت ليش ما في حب زي أيام زمان بفضلك
فيسلمو والله ينور طريقك :o