sona78
03/09/2008, 11:47
أنور بدر
يبدو أن الحديث عن أزمة الإعلام السوري حديث لن نعرف له نهاية في المدى المنظور، حتى أنه بات جزءا من حديث الناس في لقاءاتهم، وتتناوله وسائل الإعلام المحلية بكثير من البساطة، تكاد تقارب بساطة الحديث عن أزمة المياه في ريف دمشق، دون أن تفلح أي من التصريحات الحكومية وحتى الندوات والمؤتمرات التخصصية في حل أي من الأزمتين، إن لم نقل أنها وفي كثير من الأحيان تكرس هذه الأزمات،
، إما بإنكار وجودها أصلا، بحيث يصبح كل من تسول له نفسه الإشارة إليها مشكوكا في دوافعه وانتماءاته، أو بإحالتها على لجان وانتظار دراسات لن تغير في المحصلة ساكنا مما هو كائن. وإن كنا نتجرأ على الخوض في إشكالية الإعلام لدينا، فلنعترف بداية أن المسألة لا تتعلق بالنوايا الحسنة أم السيئة لذاك المدير أم لهذا الوزير، بقدر ما هي جزء من البنية العامة لنظام شمولي مازال يرى في الإعلام وسيلة لتبرير سياسات الحكومة وليس مراقبتها وكشف أخطائها، حتى أصبح لدينا إعلام حكومة وليس إعلام دولة، مع أننا نعرف أن الحكومات تتعاقب أو تزول وأن الدول أكثر رسوخا واستمرارا، وأن مصالح الحكومات آنية وقد تُخطئ وتصيب، فيما مصالح الدول أكثر شمولية وذات أبعاد استراتيجية ففي كل مناحي الحياة، وليست السياسة إلا وجها من وجوهها.
وقد تفرّع عن هذه الإشكالية أنّ الإعلاميين باتوا موظفين لدى الحكومة، يسعى أغلبهم لكسب ودها كرب عمل ضارب عرض الحائط بكل الأخلاق المهنية، إن كان قد حصّل منها شيئاً. لأنها كوظيفة تابعة للحكومة تحتمل الثواب والعقاب، وتحتمل الاستمرار أو كف اليد، تحتمل نقل كل المدراء والإعلاميين الذين ثبت فشلهم في رسم سياسة إعلامية إلى وزارة الخارجية برتبة سفراء، كما تحتمل نقل أي موظف في الدولة إلى موقع إعلامي مهم، فالجدارة تكون بالولاء وليس بالخبرة أو الكفاءة المهنية، وهنا اسمح لنفسي بالقول أنّ بعض الإعلاميين الناجحين شغلوا مناصب إعلامية مهمة، لكن (السيستيم) أو النظام العام يحول دون تطوير أدائهم، وليس أدل على ذلك مما يجري في التلفزيون السوري.
حالياً الإعلامي الموظف في مؤسسة هي جزء من بنية شمولية وأدت حالة الإعلامي الساعي إلى إثبات مهاراته المهنية في تقصي الحقيقة، أو السبق في الخبر، أو الدفاع عن المصالح العامة، والنكتة التي يتحدث بها الجميع أننا إزاء أي حدث مفاجئ يقع في دمشق يكون علينا تلقي الخبر من الفضائيات العربية أو من بعض المواقع الإلكترونية، كما حصل مع اغتيال مغنية في دمشق، وقد دفع موقع 'سيريا نيوز' ثمن نشر هذا الخبر أنّ حجب لمدة خمسة عشر يوماً، ومن ثم عاد، فيما كانت مواقع إلكترونية كثيرة قد حجبت ولم تعد.
أولو الأمر في سورية يدركون هذا المأزق، لكن إذا كانت الإشكالية في تبعية الإعلام إلى الحكومة، فكيف ستتمكن هذه الحكومة من تجاوز ذاتها باتجاه تحرير الإعلام؟! أعتقد أن الحكومة ما زالت تتغابى حين تصر على تنظيم الإعلام بدل تحريره، ولذلك هي تفاجئنا كل فترة بحملة تغييرات واسعة في مناصب الإدارات الإعلامية، حتى أنّ الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون عرفت في أقل من سنتين ثلاثة مدراء عامين، بحيث لم يُتح لأي منهم التعرف على خريطة مهامه وصلاحياته كي يتسنى له لاحقاً رسم سياسة إعلامية ناجحة، وأذكر أنني قد وجهت رسالة مفتوحة إلى السيد ماجد حليمة في يوم تبوئه منصب المدير العام، خلاصتها أنه قد يكون إعلامياً ناجحاً وابناً باراً للمؤسسة، ونظيف اليد حتى تاريخه، ولكن أن يحلم بتغيير ذلك المستنقع الراكد فهذا شبه مستحيل، وفعلاً غادر حليمة قبل أن يحقق شيئاً من تصريحاته الطموحة التي طلع بها علينا. فيما خلفه عبد الفتاح عوض لم يكمل نصف عام في منصبه الذي وصله بسرعة صاروخية من محرر اقتصادي ناجح في صحيفة 'تشرين' إلى رئيس تحرير صحيفة 'الثورة' إلى مدير عام الهيئة، وجيء مكانه بالدكتور ممتاز الشيخ الذي كان مسؤولاً عن الرقابة في وزارة الإعلام، وانتقل منها إلى منصب مدير عام مؤسسة (الوحدة) الصحافية، بعدما صدر قرار دمج ثلاث مؤسسات في وزارة الإعلام هي صحيفتا 'الثورة' و'تشرين' و'مؤسسة توزيع المطبوعات'. لكن يبدو أنّ هذا الدمج الذي تمّ في الواقع المؤسساتي ما زال نظري الطابع، وكل التعليمات التنفيذية التي أصدرها وزير الإعلام السابق مهدي دخل الله قد تبخرت معه. فخرج السيد ممتاز الشيخ من المولد بلا حمص مع انه حائز على ماجستير في الإعلام ودكتوراه في العلوم السياسية، لكنهم أعادوا اكتشافه حين أصبح منصب مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون شاغراً.
بذات الآلية تجري تسمية مدراء أقسام ومديريات ضمن الهيئة، فاستعيد أنس أزرق من قناة 'المنار' كمراسل إلى القناة 'الثانية' في التلفزيون، بعدما ألغيت تسميتها كقناة للأسرة واستقر الرأي أن تكون قناة الدراما السورية. كذلك استعيدت سمر شما التي كانت مديرة للبرنامج العام إلى إدارة برامج الفضائية، مع احتفاظ نضال قبلان بمنصبه كمدير للفضائية السورية. ونقل فادي حيدر من الرقابة الداخلية في الهيئة إلى إدارة الشؤون الإدارية والقانونية. حتى مشروع الفضائية التعليمية في الهيئة التي رأت النور بعد سنوات من المماطلة، وأسندت إدارتها للدكتور طالب عمران، نجد أنها استعارت من التلفزيون السوري جيشاً من المتبطلين عن العمل داخله، دون أن تطمح إلى ترسيم شكل جديد للعمل فيها. والإشكالية أنّ السيد طالب عمران وسواه لا يبخلون في الحديث عن مساوئ الهيئة العامة وقنواتها، لكنهم في لحظة تسلمهم أية مهام إدارية تراهم يمتحون من البئر ذاتها التي كانوا يبصقون بها.
يبدو أن الحديث عن أزمة الإعلام السوري حديث لن نعرف له نهاية في المدى المنظور، حتى أنه بات جزءا من حديث الناس في لقاءاتهم، وتتناوله وسائل الإعلام المحلية بكثير من البساطة، تكاد تقارب بساطة الحديث عن أزمة المياه في ريف دمشق، دون أن تفلح أي من التصريحات الحكومية وحتى الندوات والمؤتمرات التخصصية في حل أي من الأزمتين، إن لم نقل أنها وفي كثير من الأحيان تكرس هذه الأزمات،
، إما بإنكار وجودها أصلا، بحيث يصبح كل من تسول له نفسه الإشارة إليها مشكوكا في دوافعه وانتماءاته، أو بإحالتها على لجان وانتظار دراسات لن تغير في المحصلة ساكنا مما هو كائن. وإن كنا نتجرأ على الخوض في إشكالية الإعلام لدينا، فلنعترف بداية أن المسألة لا تتعلق بالنوايا الحسنة أم السيئة لذاك المدير أم لهذا الوزير، بقدر ما هي جزء من البنية العامة لنظام شمولي مازال يرى في الإعلام وسيلة لتبرير سياسات الحكومة وليس مراقبتها وكشف أخطائها، حتى أصبح لدينا إعلام حكومة وليس إعلام دولة، مع أننا نعرف أن الحكومات تتعاقب أو تزول وأن الدول أكثر رسوخا واستمرارا، وأن مصالح الحكومات آنية وقد تُخطئ وتصيب، فيما مصالح الدول أكثر شمولية وذات أبعاد استراتيجية ففي كل مناحي الحياة، وليست السياسة إلا وجها من وجوهها.
وقد تفرّع عن هذه الإشكالية أنّ الإعلاميين باتوا موظفين لدى الحكومة، يسعى أغلبهم لكسب ودها كرب عمل ضارب عرض الحائط بكل الأخلاق المهنية، إن كان قد حصّل منها شيئاً. لأنها كوظيفة تابعة للحكومة تحتمل الثواب والعقاب، وتحتمل الاستمرار أو كف اليد، تحتمل نقل كل المدراء والإعلاميين الذين ثبت فشلهم في رسم سياسة إعلامية إلى وزارة الخارجية برتبة سفراء، كما تحتمل نقل أي موظف في الدولة إلى موقع إعلامي مهم، فالجدارة تكون بالولاء وليس بالخبرة أو الكفاءة المهنية، وهنا اسمح لنفسي بالقول أنّ بعض الإعلاميين الناجحين شغلوا مناصب إعلامية مهمة، لكن (السيستيم) أو النظام العام يحول دون تطوير أدائهم، وليس أدل على ذلك مما يجري في التلفزيون السوري.
حالياً الإعلامي الموظف في مؤسسة هي جزء من بنية شمولية وأدت حالة الإعلامي الساعي إلى إثبات مهاراته المهنية في تقصي الحقيقة، أو السبق في الخبر، أو الدفاع عن المصالح العامة، والنكتة التي يتحدث بها الجميع أننا إزاء أي حدث مفاجئ يقع في دمشق يكون علينا تلقي الخبر من الفضائيات العربية أو من بعض المواقع الإلكترونية، كما حصل مع اغتيال مغنية في دمشق، وقد دفع موقع 'سيريا نيوز' ثمن نشر هذا الخبر أنّ حجب لمدة خمسة عشر يوماً، ومن ثم عاد، فيما كانت مواقع إلكترونية كثيرة قد حجبت ولم تعد.
أولو الأمر في سورية يدركون هذا المأزق، لكن إذا كانت الإشكالية في تبعية الإعلام إلى الحكومة، فكيف ستتمكن هذه الحكومة من تجاوز ذاتها باتجاه تحرير الإعلام؟! أعتقد أن الحكومة ما زالت تتغابى حين تصر على تنظيم الإعلام بدل تحريره، ولذلك هي تفاجئنا كل فترة بحملة تغييرات واسعة في مناصب الإدارات الإعلامية، حتى أنّ الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون عرفت في أقل من سنتين ثلاثة مدراء عامين، بحيث لم يُتح لأي منهم التعرف على خريطة مهامه وصلاحياته كي يتسنى له لاحقاً رسم سياسة إعلامية ناجحة، وأذكر أنني قد وجهت رسالة مفتوحة إلى السيد ماجد حليمة في يوم تبوئه منصب المدير العام، خلاصتها أنه قد يكون إعلامياً ناجحاً وابناً باراً للمؤسسة، ونظيف اليد حتى تاريخه، ولكن أن يحلم بتغيير ذلك المستنقع الراكد فهذا شبه مستحيل، وفعلاً غادر حليمة قبل أن يحقق شيئاً من تصريحاته الطموحة التي طلع بها علينا. فيما خلفه عبد الفتاح عوض لم يكمل نصف عام في منصبه الذي وصله بسرعة صاروخية من محرر اقتصادي ناجح في صحيفة 'تشرين' إلى رئيس تحرير صحيفة 'الثورة' إلى مدير عام الهيئة، وجيء مكانه بالدكتور ممتاز الشيخ الذي كان مسؤولاً عن الرقابة في وزارة الإعلام، وانتقل منها إلى منصب مدير عام مؤسسة (الوحدة) الصحافية، بعدما صدر قرار دمج ثلاث مؤسسات في وزارة الإعلام هي صحيفتا 'الثورة' و'تشرين' و'مؤسسة توزيع المطبوعات'. لكن يبدو أنّ هذا الدمج الذي تمّ في الواقع المؤسساتي ما زال نظري الطابع، وكل التعليمات التنفيذية التي أصدرها وزير الإعلام السابق مهدي دخل الله قد تبخرت معه. فخرج السيد ممتاز الشيخ من المولد بلا حمص مع انه حائز على ماجستير في الإعلام ودكتوراه في العلوم السياسية، لكنهم أعادوا اكتشافه حين أصبح منصب مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون شاغراً.
بذات الآلية تجري تسمية مدراء أقسام ومديريات ضمن الهيئة، فاستعيد أنس أزرق من قناة 'المنار' كمراسل إلى القناة 'الثانية' في التلفزيون، بعدما ألغيت تسميتها كقناة للأسرة واستقر الرأي أن تكون قناة الدراما السورية. كذلك استعيدت سمر شما التي كانت مديرة للبرنامج العام إلى إدارة برامج الفضائية، مع احتفاظ نضال قبلان بمنصبه كمدير للفضائية السورية. ونقل فادي حيدر من الرقابة الداخلية في الهيئة إلى إدارة الشؤون الإدارية والقانونية. حتى مشروع الفضائية التعليمية في الهيئة التي رأت النور بعد سنوات من المماطلة، وأسندت إدارتها للدكتور طالب عمران، نجد أنها استعارت من التلفزيون السوري جيشاً من المتبطلين عن العمل داخله، دون أن تطمح إلى ترسيم شكل جديد للعمل فيها. والإشكالية أنّ السيد طالب عمران وسواه لا يبخلون في الحديث عن مساوئ الهيئة العامة وقنواتها، لكنهم في لحظة تسلمهم أية مهام إدارية تراهم يمتحون من البئر ذاتها التي كانوا يبصقون بها.