-
دخول

عرض كامل الموضوع : بدوي الجبل


achelious
16/08/2008, 17:18
الحب والله


تأنّق الدوح يرضي بلبلا غردا
من جنّة الله قلبانا جناحاه

يطير ما انسجما حتّى إذا اختلفا
هوى. و لم تغن عن يسراه يمناه

ألخافقان معا فالنجم أيكهما
و سدرة المنتهى و الحبّ : أشباه

أسمى العبادة ربّ لي يعذّبني
بلا رجاء و أرضاه و أهواه

و أين من ذلّة الشكوى و نشوتها
عند المحبّين عزّ الملك و الجاه

تقسّم الناس دنياهم و فتنتها
و قد تفرّد من يهوى بدنياه

ما فارق الريّ قلبا أنت جذوته
و لا النعيم محبّا أنت بلواه

غمرت قلبي بأسرار معطّرة
و الحبّ أملكه للروح أخفاه

و ما امتحنت خفاياه لأجلوها
و لا تمنّيت أن تجلى خفاياه

الخافقان _ و فوق العقل سرّهما
كلاهما للغيوب : الحبّ و الله

كلاهما انسكبت فيه سرائرنا
و ما شهدناه لكنّا عبدناه

أرخصت للدمع جفني ثم باكره
في هدأة الفجر طيف منك أغلاه

و أسكرتني دموعي بعد زورته
أطيف ثغرك ساقاها حميّاه

طيف لشقراء كاس من متارفه
لو لم أصنه طغى وجدي فعرّاه

حمنا مع العطر ورّادا على شفة
فلم نغر منه لكنّا أغرناه

تهدّلت بالجنى المعسول و اكتنزت
و الثغر أملؤه للثغر أشهاه

نعبّ منه بلا رفق و يظمؤنا
فنحن أصدى إليه ما ارتشفناه

في مقلتيك سماوات يهدهدها
من أشقر النور أصفاه و أحلاه

و رنوة لك راح النجم يرشفها
حتّى ترنّح سكر في محيّاه

أطلّ خلف الجفون الوطف موطنه
بعد الفراق فحيّاه و فدّاه

يضيع عنّي وسيم من كواكبها
فحين أرنو إلى عينيك ألقاه

قلبي و للشقرة المغناج – لهفته
ليت الحنين الذي أضناه أفناه

تضفّر الحور غارا من مواجعه
و تستعير روءاها من خطاياه

أغفين فيه لماما ثمّ عدن إلى
جنّاتهنّ و قد لملمن ريّاه

يسألن باللهفة الغيرى على خجل :
من فجّر العطر منه حين أدماه ؟

لم تعرف الحور أشهى من سلافتنا
رفّ الهجير ندى لما سقيناه

مدلّه فيك ، ما فجر و نجمته !
مولّه فيك ، ما قيس و ليلاه !

من كان يسكب عينيه و نورهما
لتستحمّ روءاك الشقر لولاه

سما بحسنك عن شكواه تكرمة
و راح يسمو عن الدنيا بشكواه

يريد بدعا من الأحزان مؤتلقا
و من شقاء الهوى يختار أقساه

سكبت قلبك في وجدانه فرأت
يا عزّ ما شئت لا ما شاء عيناه

أنت السراب عذاب و قده و ردى
و تؤنس العين أفياء و أمواه

بدوي الجبل
(هو محمد سليمان الأحمد 1905-1981
شاعر سوري من أعلام الشعر المعاصر في سورية)

وشم الجمال
23/08/2008, 08:48
جميلة لا تحتاج للتعليق

achelious
12/10/2008, 06:39
بدوي الجبل شاعر صعب!.. عميق جدا ومفرداته وصوره نشوة صوفيه..
قصيدة أخرى للحب.. بعنوان "اللهب القدسي"

يحبّ قلبي خباياه و يعبدها
إذا تبرّأ قلب من خباياه

طفولة الروح أغلى ما أدلّ به
و الحبّ أعنفه عندي و أوفاه

قلبي الذي لوّن الدنيا بجذوته
أحلى من النور نعماه و بؤساه

غرّ و أرفع ما فيه غرارته
و أنذل الحبّ – جلّ الحبّ – أدهاه

ما الحسن إلاّ لبنات منمّقة
لكن يؤلهه أناّ عشقناه

لم يرده ألف جرح من فواجعه
حتّى أصيب بسهم منك أرداه
***

آمنت باللّهب القدسيّ مضرمه
أذكى الألوهة فينا حين أذكاه

نزيّن الروح قربانا لفتنته
و قد يضنّ فتستجدى مناياه

و لو أقام الضحايا من مصارعها
لآثرت موتها فيه ضحاياه

ألعبقرّيات وهج من لوافحه
و الشمس مجلوّة إحدى هداياه

و تلئهين بهدي من عقولهم
لو يمّموا اللّهب القدسيّ ما تاهوا

ما راعنا الدهر بالبلوى و غمرتها
لكنّنا بالإباء المرّ رعناه

إن نحمل الحزن لا شكوى و لا ملل
غدر الأحبّة حزن ما احتملناه

و ما رعانا على عصف الخطوب بنا
هوى حبيب رعيناه و نرعاه

ليت الذين و هبناهم سرائرنا
في زحمة الخطب أغلوا ما وهبناه

و لا وفاء لقلب حين نؤثره
حتى تكون رزايانا رزاياه

أشامت عند جلاّنا و ما نزلت
إلاّ على الحبّ و الإيثار جلاّه

هان و محنتي العصماء دامية
راو و من لوعتي الشمّاء سقياه

ما ضجّ في قلبه جرح فكابده
و لا ألمّ به وجد فعاناه

تضنّ باللّهفة الحرّى جوانحه
و القلب أخضبه بالنور أسخاه

فما ترشّفت إيمانا بمعبده
و لا شممت طيوبا في مصلاّه

ناء عن النّار لو طاف اللّهيب به
لوهّجت هذه الدّنيا شظاياه

قد هان حتّى سمت عنه ضغينتنا
فما حقدنا عليه بل رحمناه

يرضيه أن يتشفّى من مدامعنا
لم نبك منه و لكنّا بكيناه

حسب الأحبّة ذلاّ عار غدرهم
و حسبنا عزّة أنّا غفرناه

يهنيك أنّك في نعمى لمحنته
و أنّ غدرك قبل الدهر أشقاه

جاه خلقناه من ألوان قدرتنا
فكيف بكفر فينا من خلقناه

لو رفّ حبك في بيداء لاهبة
على الظماء رحيقا ما وردناه

حلوت طيفك عن عيني فأسلمه
إلى الدجى و إلى الإعصار مأواه

فيا لكنز شكت منه جواهره
و ضاع عن نفسه لمّا أضعناه

صحا الفؤاد الذي قطّعته مزقا
حرّى الجراح و لملمنا بقاياه