شب الكوبة
11/08/2008, 03:05
السلام عليكم
هذه خطبة الوسيلة للامام علي عليه السلام .. وفيها من الحكم و المواعظ و النصائح ما يفيد الانسان في حياته اليومية بغض النظر عن انتماءه الديني أو العرقي ... وهي تصلح لكل زمان ومكان
الحَمْد لله الّذي مَنَع الاوْهام أن تَنال إلا وُجوده وَحَجَب الْعُقول أنْ تَتَخيّل ذاته لامْتِناعها مِنْ الشّبة وَالتّشاكل بَلْ هُو الّذى لا يَتَفاوت في ذاته وَلا يَتَبعّض بتَجْزئة الْعَدد في كَماله، فارَق الاشياء لا عَلى اخْتِلاف الاماكن وَيكون فيها لا عَلى وَجه الْمُمازَجة، وَعَلِمها لا بِأداة، لا يكون الْعِلم إلا بِها وَليْس بَيْنه وَبيْن مَعْلومِه عِلم غَيره به كان عالِما بمَعلومه، إن قيل: كان، فَعَلى تَأويل أزَلِيّة الْوجود وَإن قيل: لَم يَزل، فَعَلى تَأويل نَفي الْعَدَم، فَسُبْحانه وَتعالى عَن قَوْل مَن عَبَدَ سِواه وَاتّخَذَ إلها غَيره عُلوا كَبيرا.
نَحْمَده بِالحَمْد الّذي ارْتَضاه مِنْ خَلْقه وَأوْجَبَ قَبولَه عَلى نَفْسه وَأشْهد أن لا إله إلا الله وَحْدَه لا شَريك لَه وَأشْهَد أن مُحَمّدًا عَبْده وَرَسُوله، شَهادتان تَرْفَعان الْقَول وَتُضاعِفان الْعَمَل، خَفّ ميزان تُرْفعان مِنه وَثقل ميزان تُوضَعان فيه وَبهما الْفَوْز بِالْجَنة وَالنّجاة مِن النّار وَالْجَواز عَلى الصّراط وَبالشّهادة تَدْخلون الجّنَة وَبالصّلاة تَنالون الرّحْمَة، أكثروا مِنْ الصّلاة عَلى نَبِيكم " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب : 56] " صَلّى الله عَليه وَآله تَسْليما.
أيها النّاس إنه لا شَرف أعْلى مِن الاسْلام وَلا كَرم أعَز مِن التّقْوى وَلا مَعْقل أحرَز مِن الْوَرَع وَلا شَفيع أنْجَع مِن التّوْبة وَلا لِباس أجْمَل مِن الْعافِية وَلا وِقاية أمنع مِن السّلامة وِلا مال أذْهَب بِالفاقَة مِن الرِضى بالْقَناعة وَلا كَنْز أغنى مِن الْقنوع وَمِن أقتصر عَلى بُلْغَة الكَفاف فَقَد انْتَظم الرّاحة وَتبوء خَفض الدّعة وَالرّغْبة مِفْتاح التّعَب وَالاحْتِكار مَطِيّة النّصَب وَالْحَسَد آفة الدّين وَالْحِرْص داع إلى التّقَحم في الذّنوب وَهُو داعي لِلحِرْمان وِ الْبَغْي سائِق إلى الحَيْن وَالشَره جامِع لِمَساوي الْعيوب، رُبّ طَمع خائِب وَأمَل كاذٍب وَرَجاء يُؤدي إلى الْحِرْمان وَتِجارَة تَؤول إلى الْخُسْران، ألا وَمَن تَوَرط في الامور غَير ناظِر في الْعَواقب فَقَد تَعَرض لِمفضحات النّوائِب وَبئسَت الْقِلادَة قِلادَة الذّنْب لِلمُؤمِن.
أيها النّاس إنه لا كَنْز أنْفَع مِن الْعِلم وَلا عِزَّ أرْفَع مِن الْحِلْم، وَلا حَسَب أبْلَغ مِن الادَب وَلا نَصَب أوْضَع مِن الْغَضَب، وَلا جَمال أزْيَن مِن الْعَقْل، وَلا سَوءة أسْوَأ مِن الْكَذِب، وَلا حافِظ أحْفَظ مِن الصّمْت وَلاغائِب أقْرَب مِن الْمَوْت.
أيها النّاس [إنه] مَن نَظَر في عَيْب نَفْسه اشْتَغَل عَنْ عَيْب غَيْره، وَمَن رَضي بِرِزْق الله لَم يَأسَف عَلى ما في يَد غَيْره، وَمَن سَلّ سَيْف الْبَغْي قُتِل بِه، وَمَن حَفَر لاخيه بِئْرا وَقَع فيها، وَمَن هَتَك حِجاب غَيْره انْكَشَفت عَوْرات بَيْته وَمَن نَسِي زلله اسْتَعظم زَلَل غَيْره، وَمَن أعجَب برَأيه ضَلّ، وَمَن اسْتَغنى بِعَقله زَلّ، وَمَن تَكَبر عَلى النّاس ذَلّ
وَمَن سَفِه عَلى النّاس شُتِم، وَمَن خالط الانذال حُقِر ، وَمَن حَمل ما لا يطيق عَجز.
أيها النّاس إنه لا مال [هُو] أعود مِن الْعَقْل ، وَلا فَقْر [هُو] أشَدّ مِن الْجَهْل، وَلا واعِظ [هُو] أبلَغ مِن النّصْح، وَلا عَقْل كالتّدْبير، وَلا عِبادَة كالتّفَكر، وَلا مُظاهَرَة أوْثَق مِن المُشاوَرَة، وَلا وَحْشَة أشَدّ مِن العُجْب، وَلا وَرَع كالكَفّ عَنْ الْمَحارم، وَلا حِلْم كالصّبْر وَالصّمْت.
أيها النّاس في الانْسان عَشَر خِصال يُظْهرها لِسانه: شاهِد يُخْبِر عَنْ الضّمير، حاكِم يَفْصِل بَيْن الْخِطاب، وَناطِق يُرَد بِه الْجَواب، وَشافِع تُدْرَك به الْحاجَة، وَواصِف يُعْرَف به الاشياء، وأمير يَأمُر بالحَسَن، وَواعِظ يَنَهى عَنْ الْقَبيح، وَمُعِز تُسَكَن به الاحْزان وَحاضِر تُجْلى به الضَغائِن ، ومُونِق تَلْتَذ به الاسماع.
أيها النّاس إنه لا خَيْر في الصّمْت عَنْ الْحُكم كما أنه لا خَيْر في القَوْل بالْجَهْل.
واعلموا أيها النّاس إنه مَنْ لَم يَمْلك لِسانه يَنْدَم، وَمَنْ لا يَعْلم يَجْهَل، وَمَن لا يَتَحَلم لا يَحْلُم وَمَن لا يَرْتَدع لا يَعْقِل، وَمَن لا يَعْقِل يَهُن، وَمَن يَهُن لا يُوَقَر، وَمَن لايُوَقَر يُتَوَبخ ، وَمَن يَكْتَسِب مالا مِنْ غَيْر حَقِه يَصْرِفه في غير أجْرِه، وَمَن لا يَدَع وَهُو مَحْمود يَدَع وَهُو مَذْموم وَمَنْ لَم يُعط قاعِدا منع قائِما ، وَمَن يَطْلب الْعِزّ بِغَيْر حَقّ يذل، وَمَن يَغْلب بالجور يُغْلَب، وَمَن عاند الْحَق لزِمَه الْوَهْن، وَمَن تَفَقه وُقِر، وَمَن تَكَبر حُقِر، وَمَن لا يُحْسِن لا يُحْمَد.
أيها النّاس إن الْمَنِيَة قبل الدّنية وَالتّجَلّد قَبْل التّبَلد ، وَالْحِساب قَبْل الْعِقاب وَالْقَبْر خَيْر مِنْ الْفَقْر، وَغَضّ الْبَصَر خَيْر مِنْ كَثير مِنْ النّظَر، وَالدّهْر يَوْم لَك وَيوْم عَليك فإذا كان لَك فَلا تَبطر وَإذا كان عَليك فاصْبر فَبِكليهما تمْتَحَن.- وفي نسخة وكلاهما سيَخْتبر.
أيها النّاس أعْجَب ما في الانْسان قَلْبه وَله مَواد مِنْ الْحِكْمَة وَأضْداد مِنْ خِلافها فَإن سَنح لَه الرّجاء أذَله الطّمَع، وَإن هاج بِه الطّمَع أهْلَكه الْحِرْص، وَإن مَلكه اليأْس قَتله الاسَف، وَإن عَرض له الْغَضَب اشْتَدّ به الْغَيْظ، وإن اسعد بالرضى نَسِي التّحَفظ ، وإن نالَه الْخَوْف شَغَله الْحَذَر، وَإن اتّسَع لَه الامن استَلَبته الْعِزّة وَفي نسخة أخَذَته الْعِزّة، وَإن جُدِدَت لَه نِعْمَة أخَذَته الْعِزّة، وَإن أفاد مالاً أطغاه الْغِنى، وَإن عَضّته فاقَة شَغَله الْبَلاء وَفي نسخة جَهده الْبُكاء وَإن أصابَته مُصيبَة فَضَحه الْجَزَع، وَإن أجْهَدَه الْجوع قَعَد به الضُّعْف، وَإن أفْرَط في الشّبْع كَظَته الْبِطْنَة ، فَكل تَقْصير به مُضِر وَكُل إفْراط لَه مُفْسِد.
أيها النّاس إنه مَنْ قَلّ ذَلّ ، وَمَن جاد ساد، وَمَن كَثُر مالَه رَأُس وَمَن كَثُر حِلْمُه نَبِل، وَمَن فَكر في ذات الله تَزَنْدَق ، وَمَن أكثر مِن شَيئ عُرِف بِه وَمَن كَثُر مُزاحه اسْتُخِف بِه، وَمَن كَثُر ضِحْكه ذَهَبت هَيْبَته، فَسَد حَسَب مَنْ لَيْس لَه أدَب، إن أفْضَل الْفِعال صِيانَة الْعِرْض بالمال، لَيْس مَنْ جالَس الْجاهِل بِذي مَعْقول، مَنْ جالس الْجاهِل فَليَسْتَعد لِقيل وَقال، لَنْ يَنْجو مِن الْمَوْت غَني بِماله وَلا فَقير لاقلاله.
أيها النّاس لَوْ أن الْمَوْت يُشْتَرى لاشْتَراه مِنْ أهْل الدّنْيا الْكَريم الابْلَج وَاللّئيم الْمُلَهْوَج.
أيها النّاس إن لِلقلوب شَواهِد تُجْري الانْفس عَن مَدْرَجة أهْل التّفْريط وَفِطْنَة الْفَهْم لِلمَواعِظ مِما يَدْعو النّفْس إلى الْحَذَر مِنْ الْخَطَر، وَلِلقلوب خَواطِر للهَوى، وَالْعُقول تَزْجر وَتنْهى، وَفي التّجارِب عِلْم مُسْتَأنَف، وَالاعْتِبار يَقود إلى الرّشاد، وَكَفاك أدَبا لِنَفْسك (اجْتِناب) ما تَكْرَهه لِغَيْرك، وَعَليك لاخيك الْمُؤمن مِثُل الّذي لَك عَليه، لَقَد خاطَر مَنْ اسْتَغْنى بِرَأيه، وَالتّدَبُّر قَبْل الْعَمَل فَإنه يُؤمِنُك مِنْ النّدَم، وَمَنْ اسْتَقْبل وُجوه الآراء عَرَف مَواقِع الْخَطَأ وَمَنْ أمْسَك عَن الْفُضول عَدَلت رَأيه الْعُقول ، وَمَنْ حَصّن شَهْوَته فَقَد صان قَدره، وَمَنْ أمْسَك لِسانه أمِنَه قَوْمه وَنال حَاجَته، وَفي تَقَلّب الاحْوال عِلْم جَواهِر الرّجال، وَالايام تُوضِح لَك السّرائِر الْكامِنَة، وَلَيْس في الْبَرْق الْخاطِف مُسْتمتع لِمَنْ يَخوض في الظّلمة وَمَنْ عَرُف بِالْحِكْمَة لحظته الْعيون بالْوَقار وَالْهَيْبَة، وأشْرَف الْغِنى تَرْك الْمُنى، وَالصّبْر جُنَة مِنْ الْفاقَة، وَالْحِرْص عَلامَة الْفَقْر، وَالْبُخْل جِلْباب الْمَسْكَنة، وَالْمَوَدّة قَرابَة مُسْتَفادَة، وَوَصول مُعْدِم خَيْر مِنْ جاف مُكْثِر، وَالْمَوْعِظَة كَهْف لِمَن وَعاها، وَمَنْ أطْلَق طَرْفَه كَثُر أسَفُه ، وَقَدْ أوْجَب الدّهْر شُكْرَه عَلى مَنْ نال سُؤله، وَقَل ما ينْصفك اللّسان في نَشْر قَبيح أو إحسان وَمَنْ ضاق خُلْقُه مَلّه أهْلُه، وَمَنْ نال اسْتَطال، وَقل ما تصْدقك الامْنِيّة، وَالتّواضُع يَكْسوك الْمَهابَة، وَفي سَعَة الاخْلاق كُنوز الارْزاق، كَمْ مِنْ عاكِف عَلى ذَنْبه في آخِر أيام عُمْرِه وَمَنْ كَساه الْحَياء ثَوْبَه خَفي عَلى النّاس عَيْبَه، وتَحَرّى الْقَصْد مِنْ الْقَوْل فَإن مَنْ تَحَرّى الْقَصْد خَفّت عَليه الْمؤن وَفي خِلاف النّفْس رُشْدُك، مَنْ عَرَف الايام لَمْ يَغْفَل عَن الاسْتِعْداد، ألا وَإن مَعَ كُل جُرْعَة شَرَقا وَإن في كُل اكْلَة غَصَصا، لا تُنال نِعْمَة إلا بِزَوال اخْرى، وَلِكُل ذي رَمَق قوت، وَلِكُل حَبَة آكِل وَأنْت قوت الْمَوْت.
أعلَمُوا أيها النّاس أنه مَنْ مَشَى عَلى وَجْه الارْض فَإنه يَصير إلى بَطْنِها، وَاللّيْل وَالنّهار يَتَنازَعان (وفي نسخة اخرى) يَتَسارَعان في هَدْم الاعْمار.
هذه خطبة الوسيلة للامام علي عليه السلام .. وفيها من الحكم و المواعظ و النصائح ما يفيد الانسان في حياته اليومية بغض النظر عن انتماءه الديني أو العرقي ... وهي تصلح لكل زمان ومكان
الحَمْد لله الّذي مَنَع الاوْهام أن تَنال إلا وُجوده وَحَجَب الْعُقول أنْ تَتَخيّل ذاته لامْتِناعها مِنْ الشّبة وَالتّشاكل بَلْ هُو الّذى لا يَتَفاوت في ذاته وَلا يَتَبعّض بتَجْزئة الْعَدد في كَماله، فارَق الاشياء لا عَلى اخْتِلاف الاماكن وَيكون فيها لا عَلى وَجه الْمُمازَجة، وَعَلِمها لا بِأداة، لا يكون الْعِلم إلا بِها وَليْس بَيْنه وَبيْن مَعْلومِه عِلم غَيره به كان عالِما بمَعلومه، إن قيل: كان، فَعَلى تَأويل أزَلِيّة الْوجود وَإن قيل: لَم يَزل، فَعَلى تَأويل نَفي الْعَدَم، فَسُبْحانه وَتعالى عَن قَوْل مَن عَبَدَ سِواه وَاتّخَذَ إلها غَيره عُلوا كَبيرا.
نَحْمَده بِالحَمْد الّذي ارْتَضاه مِنْ خَلْقه وَأوْجَبَ قَبولَه عَلى نَفْسه وَأشْهد أن لا إله إلا الله وَحْدَه لا شَريك لَه وَأشْهَد أن مُحَمّدًا عَبْده وَرَسُوله، شَهادتان تَرْفَعان الْقَول وَتُضاعِفان الْعَمَل، خَفّ ميزان تُرْفعان مِنه وَثقل ميزان تُوضَعان فيه وَبهما الْفَوْز بِالْجَنة وَالنّجاة مِن النّار وَالْجَواز عَلى الصّراط وَبالشّهادة تَدْخلون الجّنَة وَبالصّلاة تَنالون الرّحْمَة، أكثروا مِنْ الصّلاة عَلى نَبِيكم " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب : 56] " صَلّى الله عَليه وَآله تَسْليما.
أيها النّاس إنه لا شَرف أعْلى مِن الاسْلام وَلا كَرم أعَز مِن التّقْوى وَلا مَعْقل أحرَز مِن الْوَرَع وَلا شَفيع أنْجَع مِن التّوْبة وَلا لِباس أجْمَل مِن الْعافِية وَلا وِقاية أمنع مِن السّلامة وِلا مال أذْهَب بِالفاقَة مِن الرِضى بالْقَناعة وَلا كَنْز أغنى مِن الْقنوع وَمِن أقتصر عَلى بُلْغَة الكَفاف فَقَد انْتَظم الرّاحة وَتبوء خَفض الدّعة وَالرّغْبة مِفْتاح التّعَب وَالاحْتِكار مَطِيّة النّصَب وَالْحَسَد آفة الدّين وَالْحِرْص داع إلى التّقَحم في الذّنوب وَهُو داعي لِلحِرْمان وِ الْبَغْي سائِق إلى الحَيْن وَالشَره جامِع لِمَساوي الْعيوب، رُبّ طَمع خائِب وَأمَل كاذٍب وَرَجاء يُؤدي إلى الْحِرْمان وَتِجارَة تَؤول إلى الْخُسْران، ألا وَمَن تَوَرط في الامور غَير ناظِر في الْعَواقب فَقَد تَعَرض لِمفضحات النّوائِب وَبئسَت الْقِلادَة قِلادَة الذّنْب لِلمُؤمِن.
أيها النّاس إنه لا كَنْز أنْفَع مِن الْعِلم وَلا عِزَّ أرْفَع مِن الْحِلْم، وَلا حَسَب أبْلَغ مِن الادَب وَلا نَصَب أوْضَع مِن الْغَضَب، وَلا جَمال أزْيَن مِن الْعَقْل، وَلا سَوءة أسْوَأ مِن الْكَذِب، وَلا حافِظ أحْفَظ مِن الصّمْت وَلاغائِب أقْرَب مِن الْمَوْت.
أيها النّاس [إنه] مَن نَظَر في عَيْب نَفْسه اشْتَغَل عَنْ عَيْب غَيْره، وَمَن رَضي بِرِزْق الله لَم يَأسَف عَلى ما في يَد غَيْره، وَمَن سَلّ سَيْف الْبَغْي قُتِل بِه، وَمَن حَفَر لاخيه بِئْرا وَقَع فيها، وَمَن هَتَك حِجاب غَيْره انْكَشَفت عَوْرات بَيْته وَمَن نَسِي زلله اسْتَعظم زَلَل غَيْره، وَمَن أعجَب برَأيه ضَلّ، وَمَن اسْتَغنى بِعَقله زَلّ، وَمَن تَكَبر عَلى النّاس ذَلّ
وَمَن سَفِه عَلى النّاس شُتِم، وَمَن خالط الانذال حُقِر ، وَمَن حَمل ما لا يطيق عَجز.
أيها النّاس إنه لا مال [هُو] أعود مِن الْعَقْل ، وَلا فَقْر [هُو] أشَدّ مِن الْجَهْل، وَلا واعِظ [هُو] أبلَغ مِن النّصْح، وَلا عَقْل كالتّدْبير، وَلا عِبادَة كالتّفَكر، وَلا مُظاهَرَة أوْثَق مِن المُشاوَرَة، وَلا وَحْشَة أشَدّ مِن العُجْب، وَلا وَرَع كالكَفّ عَنْ الْمَحارم، وَلا حِلْم كالصّبْر وَالصّمْت.
أيها النّاس في الانْسان عَشَر خِصال يُظْهرها لِسانه: شاهِد يُخْبِر عَنْ الضّمير، حاكِم يَفْصِل بَيْن الْخِطاب، وَناطِق يُرَد بِه الْجَواب، وَشافِع تُدْرَك به الْحاجَة، وَواصِف يُعْرَف به الاشياء، وأمير يَأمُر بالحَسَن، وَواعِظ يَنَهى عَنْ الْقَبيح، وَمُعِز تُسَكَن به الاحْزان وَحاضِر تُجْلى به الضَغائِن ، ومُونِق تَلْتَذ به الاسماع.
أيها النّاس إنه لا خَيْر في الصّمْت عَنْ الْحُكم كما أنه لا خَيْر في القَوْل بالْجَهْل.
واعلموا أيها النّاس إنه مَنْ لَم يَمْلك لِسانه يَنْدَم، وَمَنْ لا يَعْلم يَجْهَل، وَمَن لا يَتَحَلم لا يَحْلُم وَمَن لا يَرْتَدع لا يَعْقِل، وَمَن لا يَعْقِل يَهُن، وَمَن يَهُن لا يُوَقَر، وَمَن لايُوَقَر يُتَوَبخ ، وَمَن يَكْتَسِب مالا مِنْ غَيْر حَقِه يَصْرِفه في غير أجْرِه، وَمَن لا يَدَع وَهُو مَحْمود يَدَع وَهُو مَذْموم وَمَنْ لَم يُعط قاعِدا منع قائِما ، وَمَن يَطْلب الْعِزّ بِغَيْر حَقّ يذل، وَمَن يَغْلب بالجور يُغْلَب، وَمَن عاند الْحَق لزِمَه الْوَهْن، وَمَن تَفَقه وُقِر، وَمَن تَكَبر حُقِر، وَمَن لا يُحْسِن لا يُحْمَد.
أيها النّاس إن الْمَنِيَة قبل الدّنية وَالتّجَلّد قَبْل التّبَلد ، وَالْحِساب قَبْل الْعِقاب وَالْقَبْر خَيْر مِنْ الْفَقْر، وَغَضّ الْبَصَر خَيْر مِنْ كَثير مِنْ النّظَر، وَالدّهْر يَوْم لَك وَيوْم عَليك فإذا كان لَك فَلا تَبطر وَإذا كان عَليك فاصْبر فَبِكليهما تمْتَحَن.- وفي نسخة وكلاهما سيَخْتبر.
أيها النّاس أعْجَب ما في الانْسان قَلْبه وَله مَواد مِنْ الْحِكْمَة وَأضْداد مِنْ خِلافها فَإن سَنح لَه الرّجاء أذَله الطّمَع، وَإن هاج بِه الطّمَع أهْلَكه الْحِرْص، وَإن مَلكه اليأْس قَتله الاسَف، وَإن عَرض له الْغَضَب اشْتَدّ به الْغَيْظ، وإن اسعد بالرضى نَسِي التّحَفظ ، وإن نالَه الْخَوْف شَغَله الْحَذَر، وَإن اتّسَع لَه الامن استَلَبته الْعِزّة وَفي نسخة أخَذَته الْعِزّة، وَإن جُدِدَت لَه نِعْمَة أخَذَته الْعِزّة، وَإن أفاد مالاً أطغاه الْغِنى، وَإن عَضّته فاقَة شَغَله الْبَلاء وَفي نسخة جَهده الْبُكاء وَإن أصابَته مُصيبَة فَضَحه الْجَزَع، وَإن أجْهَدَه الْجوع قَعَد به الضُّعْف، وَإن أفْرَط في الشّبْع كَظَته الْبِطْنَة ، فَكل تَقْصير به مُضِر وَكُل إفْراط لَه مُفْسِد.
أيها النّاس إنه مَنْ قَلّ ذَلّ ، وَمَن جاد ساد، وَمَن كَثُر مالَه رَأُس وَمَن كَثُر حِلْمُه نَبِل، وَمَن فَكر في ذات الله تَزَنْدَق ، وَمَن أكثر مِن شَيئ عُرِف بِه وَمَن كَثُر مُزاحه اسْتُخِف بِه، وَمَن كَثُر ضِحْكه ذَهَبت هَيْبَته، فَسَد حَسَب مَنْ لَيْس لَه أدَب، إن أفْضَل الْفِعال صِيانَة الْعِرْض بالمال، لَيْس مَنْ جالَس الْجاهِل بِذي مَعْقول، مَنْ جالس الْجاهِل فَليَسْتَعد لِقيل وَقال، لَنْ يَنْجو مِن الْمَوْت غَني بِماله وَلا فَقير لاقلاله.
أيها النّاس لَوْ أن الْمَوْت يُشْتَرى لاشْتَراه مِنْ أهْل الدّنْيا الْكَريم الابْلَج وَاللّئيم الْمُلَهْوَج.
أيها النّاس إن لِلقلوب شَواهِد تُجْري الانْفس عَن مَدْرَجة أهْل التّفْريط وَفِطْنَة الْفَهْم لِلمَواعِظ مِما يَدْعو النّفْس إلى الْحَذَر مِنْ الْخَطَر، وَلِلقلوب خَواطِر للهَوى، وَالْعُقول تَزْجر وَتنْهى، وَفي التّجارِب عِلْم مُسْتَأنَف، وَالاعْتِبار يَقود إلى الرّشاد، وَكَفاك أدَبا لِنَفْسك (اجْتِناب) ما تَكْرَهه لِغَيْرك، وَعَليك لاخيك الْمُؤمن مِثُل الّذي لَك عَليه، لَقَد خاطَر مَنْ اسْتَغْنى بِرَأيه، وَالتّدَبُّر قَبْل الْعَمَل فَإنه يُؤمِنُك مِنْ النّدَم، وَمَنْ اسْتَقْبل وُجوه الآراء عَرَف مَواقِع الْخَطَأ وَمَنْ أمْسَك عَن الْفُضول عَدَلت رَأيه الْعُقول ، وَمَنْ حَصّن شَهْوَته فَقَد صان قَدره، وَمَنْ أمْسَك لِسانه أمِنَه قَوْمه وَنال حَاجَته، وَفي تَقَلّب الاحْوال عِلْم جَواهِر الرّجال، وَالايام تُوضِح لَك السّرائِر الْكامِنَة، وَلَيْس في الْبَرْق الْخاطِف مُسْتمتع لِمَنْ يَخوض في الظّلمة وَمَنْ عَرُف بِالْحِكْمَة لحظته الْعيون بالْوَقار وَالْهَيْبَة، وأشْرَف الْغِنى تَرْك الْمُنى، وَالصّبْر جُنَة مِنْ الْفاقَة، وَالْحِرْص عَلامَة الْفَقْر، وَالْبُخْل جِلْباب الْمَسْكَنة، وَالْمَوَدّة قَرابَة مُسْتَفادَة، وَوَصول مُعْدِم خَيْر مِنْ جاف مُكْثِر، وَالْمَوْعِظَة كَهْف لِمَن وَعاها، وَمَنْ أطْلَق طَرْفَه كَثُر أسَفُه ، وَقَدْ أوْجَب الدّهْر شُكْرَه عَلى مَنْ نال سُؤله، وَقَل ما ينْصفك اللّسان في نَشْر قَبيح أو إحسان وَمَنْ ضاق خُلْقُه مَلّه أهْلُه، وَمَنْ نال اسْتَطال، وَقل ما تصْدقك الامْنِيّة، وَالتّواضُع يَكْسوك الْمَهابَة، وَفي سَعَة الاخْلاق كُنوز الارْزاق، كَمْ مِنْ عاكِف عَلى ذَنْبه في آخِر أيام عُمْرِه وَمَنْ كَساه الْحَياء ثَوْبَه خَفي عَلى النّاس عَيْبَه، وتَحَرّى الْقَصْد مِنْ الْقَوْل فَإن مَنْ تَحَرّى الْقَصْد خَفّت عَليه الْمؤن وَفي خِلاف النّفْس رُشْدُك، مَنْ عَرَف الايام لَمْ يَغْفَل عَن الاسْتِعْداد، ألا وَإن مَعَ كُل جُرْعَة شَرَقا وَإن في كُل اكْلَة غَصَصا، لا تُنال نِعْمَة إلا بِزَوال اخْرى، وَلِكُل ذي رَمَق قوت، وَلِكُل حَبَة آكِل وَأنْت قوت الْمَوْت.
أعلَمُوا أيها النّاس أنه مَنْ مَشَى عَلى وَجْه الارْض فَإنه يَصير إلى بَطْنِها، وَاللّيْل وَالنّهار يَتَنازَعان (وفي نسخة اخرى) يَتَسارَعان في هَدْم الاعْمار.