-
دخول

عرض كامل الموضوع : مذكّرات قرصان...


صفحات : [1] 2

قرصان الأدرياتيك
19/07/2008, 22:10
الـجُمعة 18 تـمّوز 2008

كانَ اليومُ مُميّزاً، فقد رقدتُ الليلة الماضية، وللمرّة الأولى منذ احتلالي كوبري غَمْرَة في العاصمةِ المصريّة، مبكّراً، تقريباً عندَ مُنتصف الليل! ولأنّي لم أعتد النومَ مع الدَّجاج فقد كانَ غيابي قصيراً حتّى لفحني الصّباحُ بنورِه فارتعشَتْ عيناي وتفتّحتا في الخامسة. كانَ الفطورُ دسماً هذه المرّة فقد ازدردتُ بيضتين و"عيشاً" (خبزاً) مصريّاً مع كأسٍ من الشّاي الثّقيل وتراوحت ملحقاتُ هذا الصَّبوح بين الجبنةِ واللبنةِ. أسرعتُ إلى بريدي الإلكترونيّ فقد كنتُ مداناً إلى صديقةٍ برسالةٍ طويلةٍ أجترُّ فيها رسائلها الأخيرة وكلَّ ما دارَ فيها، ثمَّ ألقي في كتابي إليها بوحَ القلبِ والعقلِ المنعقدَين بين ثنايا السّطور.

ما يزالُ عندي وقتٌ طويل فحدّثتُ نفسي ودعيتُها إلى مائدة من موائد الأدبِ الرّوائي المصريّ، فعندَ وصولي بلدَ النّيلِ والأهرام تذكّرتُ رواية نجيب محفوظ تلك التي حامت حولها منذ فترة قصيرة أقلامُ النقّادِ والأدباء والصحفيّين "أولادُ حارتِنا". والقصّةُ باختصار هي التّالي: رغبت إحدى دور النّشر بإعادة نشر هذه الرّواية، فاشترطَ الأديبُ المصريُّ موافقةَ الأزهر لأسبابٍ عدّة أهمّها تحريم روايته لأسبابٍ دينيّة لا أرغبُ الدّخول في تفاصيلها. وافقَ الأزهرُ وكتبَ أحد أركانِه مقدّمتها بعدما نشرَ تلك المقدّمة في الصّحافة على أنّها كانت عرضاً لنواة تدور أساساً حول مقابلة أُجريت مع المؤلِّف وفيها أنكرَ كلَّ اعتراضٍ دينيّ وأثبتَ إيمانَه بالتّوحيد وبدين الإسلامِ... ثارت الأقلامُ الحرّة على الأديب المصريِّ وكُتبتْ شتّى المقالات تدين هذا التصرّف، لأنّه قد يكون فاتحةً لتحريم الأدبِ وتحليلِه من قِبلَ السّلطات الدينيّة أيّاً كانت. هذه المناوشات التي حدثت منذ فترة لا بأس بها لفتت نظري، ولضيقِ الوقت تجاوزتُ الرواية ولم أخصّص لها مكاناً في برنامج قرصنتي الثقافيّة... وحالما بلغتُ مصرَ قرّرتُ تأويلها والتحليق في عالمِها بين التحريم والتحليل!!!
تلقّفتُها ذاك الصّباح بشغفٍ وفضولٍ وقرأتُ منها الصّفحات الأولى وكيفَ طردَ الجبلاويُّ ابنَه البكر إدريس ابن الهانم وعيّن أدهمَ ابنَ الجارية مديراً للوقف... ارتفعت الشَّمسُ في كبد السّماء فتركتُ الرّواية وهممتُ في مغادرة المنزل.

وصلتُ مترو الأنفاق وانطلقتُ من محطّة غَمرة باتّجاه حلوان، فمررنا في طريقِنا على تاريخٍ سياسيٍّ حافل بالرؤساء والعظام، بدأنا بأقربِهم حسني مبارك ثمَّ التقينا بأحمد عرابي فجمال عبد الناصر صاحب الوحدة المصريّة السوريّة، وسلّمنا بعدَها على أنور السّادات الذي اغتيلَ في أثناء عرضٍ عسكريّ وهكذا مررنا بسعد زغلول فالسيّدة زينب فالملك الصّالح حتّى وصلنا مار جرجس، فنزلتُ أحثُّ الخطى للخروج إلى منطقة مجمع الأديان في مصر القديمة. هذه المنطقة الزّاخرة بكنائسٍ قديمةٍ تعود إلى ما بين القرنين الرّابع والثّامن.

حالما بلغتُ الشّارعَ طالعتني يميناً كنيسة القدّيسة العذراء والشّهيدة دميانة الملقّبة بـ"المعلّقة"، وإلى يساري ارتفعت كنيسة اليونان الأورثوذكس الدّائريّة، فخطوتُ إلى اليمين راغباً في زيارة الأقباط في بطريركيّتهم القديمة تلك التي عُلّقت فوق برجين من أبراج حصن بابليون القديم، فأخذت تسميتها من واقعها، كما ويتحدّثُ أصحابُها بقصّةٍ طريفة مفادها أنَّ مياه النّيل كانت تبلغ هذه الأطراف فقاموا بمدّ جذوع النّخل فوق جدران المعبدِ الرّومانيّ القديم، وفوق هذه رصفوا الأحجار ليشيّدوا عليها كنيستهم تلك. ولهذا فهي الكنيسة الوحيدة بغير قبّة فأمّا سقفها فهو خشبيّ على شكلِ فلك نوح الذي نجا من الطوفان. وقفتُ أمامها أمتّعُ النّظر بهيبة الباب الخشبيّ المزركش وقد توّجتْه آيةُ المسيح بخطٍّ عربيٍّ كوفيٍّ جميل تقولُ: "سلوا تُعطَوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم". ولجتُ منه أسألُ وأطلبُ وأقرعُ الأبوابَ راجياً أن أُعطى وأجدَ ويُفتحَ لي!
في الفناء تتوسّطُ بضع شجيرات وأشجار وفي صدرِه السلّم الحجريّ الموصل إلى الكنيسة عبر بابٍ آخر تعلوه عبارةٌ ذات مغزى ومعنى تقول: "من أرادَ الغنى فالقناعةُ تكفيه". قرأتُها وابتسمتُ متذكّراً الجدلَ الذي صارَ في الأخويّة قبل مدّة حول القناعة والطّموح وهل يجمعهما شيءٌ أم يفصلُهما التضادُّ!!! عبرتُه فبلغتُ ردهةً تملؤها صورُ بطاركة الأقباط في القرن العشرين وهناك اصطفّت الكتبُ والمنشورات والتذكارات فاجتزتُها ودخلتُ المعبدَ المفعم بعبق البخور واللبان. نظرتُ إلى الشّرقِ فوجدتُ أنَّ الستائرَ تحجبُ قدسَ الأقداسِ وتخفيه عن عيون الزّائرين، وصحنَ الكنيسة عبارةٌ عن ثلاثة أقسامٍ يتربّع في القسمِ الأوسط البيما، أي المنبر، مرتفعاً ثلاثة أمتار، وهو تقليدٌ عريقٌ في القِدم ويمتاز بأعمدته الرّخاميّة البيضاء المعرّقة بألوانٍ مختلفة. طرازُ الكنيسة بازيليكيٌّ وهو أقدم أنواع أبنية الكنائس ويعود إلى القرنِ الثّاني الميلاديّ وهو أيضا أبسط الأنواع إذ يقسم صحنَ البناء إلى ثلاثة أقسام أكبرهما القسم الأوسط ويتساوى فيه الجناحان الجانبيّان اللذان ينفصلان عن الوسط بأعمدة حجريّة تتوّجها زخارف متنوّعة إغريقيّة ورومانيّة وترتفع فوق الأعمدة آيات الزّبور التي تدعوك إلى توبةٍ عميقة. المراوح التي تكسرُ من حدّة الحرارة المرتفعة وتنثرُ أنفاس البخور في الأرجاء، والنوافذ الزجاجيّة الشفّافة التي تتخلّل أرضَ الكنيسةِ وتحدّثك عن قصّة المعلّقة فوق نخيل مصر وأبراج الرّومان هرباً من غضب النّيل وثورته. والنّوافذُ الخشبيّة التي ترتفعُ هنا وهناك فتزهو بجمالِ طرازها وزخرفتها العثمانيّة وريثة التلاقي بين الإسلامِ والغرب! فأمّا المقاعدُ العريضة المعلَّمة بصلبانٍ مربّعة فدليلُ تقليدٍ شرقيّ أثيل.

بعدَ ذلك حملتُ بعضي وغادرتُ أصحابَ البيتِ لألتقي بالغرباء في كنيسة مار جرجس لليونان الأورثوذكس وهؤلاء كانوا يُعدّون من أكبر الجاليات المسيحيّة بعدَ الأقباط. كنيستُهم مميّزة بدائريّتها وأيقونستازِها وكراسيها الممتدّة في باطن دائرتها لتلتفَّ وتحيط بالمصلّين من كلِّ جانبٍ وجهة. خرجتُ على عجلٍ وعرّجتُ على مقبرتهم التي تزيّنها قبور الصّامتين. هذا هو المكان الوحيدُ الذي يتساوى فيه الأغنياء والفقراء، الملوك والخدّام، الأحرار والعبيد. هؤلاء هم الذين يصمتون فلا يجيبون لا مديحاً أو شكراً ولا حتّى تعنيفاً أو رذلاً، هذه هي مدينة الموت الأخيرة!
بعدَ الموتِ والقبور دخلتُ مكاناً فيه بئرٌ عذبة يُقالُ إنَّ العائلة المقدّسة، أي يوسف ومريم ويسوع، شربوا منه عندَ مرورِهم في هذا المكان بعدَ هربهم من بطش هيرودس. ومنه خرجتُ إلى الشّارع واجتزتُ في طريقٍ ضيّقٍ امتلأت جدرانُه بالكتبِ والصّور من مختلف اللغات وفي نهايته كانت بانتظاري كنيسة الشهيدين سرجيس وباخوس المعروفة بأبي سرجه! ويجمعُ التقليد أنَّ هذه الكنيسة مقامة فوق المحلّ الذي أقامت فيه العائلة المقدّسة في مصر.

ومن المسيحيّة إلى اليهوديّة حيث معبد بن عزرا. عندَ الباب لافتةٌ مكتوبٌ عليها "ملك الطائفة اليهوديّة بالقاهرة" ونجمة داود السداسيّة تزيّن الجدار الآخر... أهلاً بك بين يهود مصر!
أخبرتِني تلك السيّدة الجالسة أمام طاولة البيع أنَّ اليهودَ المصريّين يبلغ عددهم أربعاً وستين شخصاً ومعابدهم سبعة عشر. هنا عالَمُ العبريّة والشّعب المختار وجماعات الشّتات. في وسط الكنيست يرتفع منبرٌ يعلوه مدرج من الكتب المقدّسة ملفوفٌ على شكلِ الكتبِ القديمة... واللغة العبريّة تعجّ في المكان، ونافذة الزّجاج الملوّن ترتفعُ في أعلى الحائط الشرقيّ يميّز النّاظرُ إليها أربعة حروف عبريّة: الياء والهاء والواو والهاء مشكّلةً كلمة "يهوه" التي تعودُ إلى المضارع من فعل الكون والصّيرورة. عند مقدّمة المنبر ينتصبُ شمعدانٌ برؤوسه السّبعة وهو رمزٌ لذاك الذي كان منصوباً في الهيكل قرب تابوت العهد، فأمّا الرؤوس السّبعة فهي إشارةٌ إلى أيّام الخليقة وكي يبقى النورُ يطرد الظلامَ الذي قد يقعُ على قدس الأقداس حيث التابوت حافظ الوصايا وعصا هارون!

لملمتُ ما تناثرَ منّي وحملتُها في طريق العودة حتّى المنزل...

نلتقي في القريب...

VivaSyria
19/07/2008, 22:13
على إعتبار بعدني ماقريتها كلها بس بصراحة من زمان ناطر هيك خطوة منك...

سلامات صديقي

اسبيرانزا
19/07/2008, 22:48
بننتظر باقى جولاتك السياحية
بكتشف مصر معك

اللامنتمي
20/07/2008, 00:08
أعدتُ قراءتها مَثنى وَ ثـُلاث يا رفيق

وَ كأني كُنتُ مَعكَ في كُل ِ خطوةٍ وَ كُل ِ نفس

هُناكَ قوة ٌ في السرد

وَ وصفٌ لـِ كُل الأشياء التي شاهدها القرصانُ هذا اليوم

لقد وصفتها بـِ كُل ِ بـِ دقة

إنكَ تكتبُ الوقائع بطريقةٍ أخرى

طريقة أقرب للروح

لأنها بسيطة وَ غير مُتكلَّفة

وَ مليئة بالصدق

حدثنا عَنْ ليل ٍ مِنْ لياليكَ يا رفيق ,.

ارسلان
20/07/2008, 13:45
لأول قرائة أشعر بأن لغزة معبر آخر لا يمكن ان يغلق

ابقهِ مفتوحا ولا تطويه على الروح يا صديق

قرصان الأدرياتيك
20/07/2008, 22:03
على إعتبار بعدني ماقريتها كلها بس بصراحة من زمان ناطر هيك خطوة منك...
سلامات صديقي
هي ذي الخطوة بين يديك افعل بها ما تشاءْ!
بانتظارِ قراءَتك الكاملة يا صديقي.


بننتظر باقى جولاتك السياحية
بكتشف مصر معك
عزيزتي رجاء
أشكرُك هذه المشاطرة والمقاسمة اللطيفة، وأرجو منك أن تساعديني إذا ما أخطأتُ مرّةً، كما أودّ أن أسمعَ تعليقك حول هذه المشاهدات!


أعدتُ قراءتها مَثنى وَ ثـُلاث يا رفيق
وَ كأني كُنتُ مَعكَ في كُل ِ خطوةٍ وَ كُل ِ نفس
هُناكَ قوة ٌ في السرد
وَ وصفٌ لـِ كُل الأشياء التي شاهدها القرصانُ هذا اليوم
لقد وصفتها بـِ كُل ِ بـِ دقة
إنكَ تكتبُ الوقائع بطريقةٍ أخرى
طريقة أقرب للروح
لأنها بسيطة وَ غير مُتكلَّفة
وَ مليئة بالصدق
حدثنا عَنْ ليل ٍ مِنْ لياليكَ يا رفيق ,.

صديقنا المبدع
قلمُك شهد لي فأطرى عليّ وأنا أخجلُ من الإطراء!
فأمّا عن لياليّ فلا أظنُّ أنّك ستلقى فيها تلك المغامرات!
ومع ذلك فلستُ بخيلاً لأمنعك عن سماعِها... ستأتيكَ في أوانِها.


لأول قراءة أشعرُ بأنَّ لغزة معبراً آخر لا يُمكن أن يُغلق
أبقهِ مفتوحاً ولا تطويه على الروح يا صديق

لكلامِك حنينٌ ورغبة... ولسطرِك وهجٌ وقوّة، طوباكَ بين الأقلامِ!
سيبقى مفتوحاً ما شاءَ اللهُ وشاءتْ الحياةُ وشاءَ المُشرفون.

اقبلوا منّي قبلة ووردة :D.

قرصان الأدرياتيك
21/07/2008, 02:04
الـجُمعة 18 تـمّوز 2008
النّصفُ الثّاني

سألتُ صديقي الذي أُلازمه مسكنه عن الغداء فقال لي: "كُشَري"، ستأكل اليومَ طعاماً لذيذاً وستدعو لي من بعدها. خرجَ على أثرها وعادَ بعد قليل حاملاً الكشري الموعود وبضعة أقراص من الطعميّة وعلبتين من اللبن الزّبادي. نزلتُ إلى الميدان بكامل لباسي العسكريّ فمزّقتُ الصّحون والأقداح وجعلتُ منها عبرة لمن اعتبر!
محبّتي للكتبِ والمكتبات نظّمت لي برنامج الظّهيرة، فبعد استراحةٍ قصيرة خرجتُ بصحبة الصّديق لقضاءِ حاجتي من الكتبِ وأصحابِها. أخذنا سيّارة أجرة وسألتُه أن يوصلنا إلى شارع طلعت حرب، وعندما بلغنا تمثالَه أوقفتُه ودفعتُ له خمسةَ عشر جنيهاً ونزلنا.
على الرّصيف اليمينيّ ارتفعت لافتة المكتبة بخجلٍ "مدبولي". كانت مكتبةً صخمة فعلاً فيها من الكتبِ ما لذَّ وطابَ، وتذكّرتُ أبا عثمان الجاحظ الذي كان يكتري دكاكين الورّاقين للقراءة فيها في أثناء الليل وهجعاته الطوال... فقلتُ ما أسعدك يا ابن بحر فليلة مع كتابٍ أثمنُ عندَك من ليالي العاشقين، فكيف تكونُ إذاً ليلتُك بين المئات منها؟! ارتفعت الكتبُ حتّى سقف المكان وفي الأعلى اصطفّت المجموعات العربيّة والإسلاميّة والموسوعات الضّخمة، وفي القسم الأسفل منها ترتّبت كتبُ الآداب والتاريخ والسياسة، وفي غرفةٍ أخرى احتشدت كتبُ اللغات الأخرى ومعاجمها بالإضافة إلى جمٍّ من روايات الأدب العالميّ المنقولة إلى العربيّة. نظرتُ يميناً ويساراً فاقتربَ أحدُ الباعة منّي متسائلاً، وقبل أن يقولَ شيئاً بادرتُه: "دوستويفسكي... الإخوة كارامازوف"؟! فأجابَ: لحظة من فضلك وهرع إلى تلك الغرفة. عادَ ليخبرني بأنَّه عثرَ فقط على أعمال هذا الأديب الروسيّ كاملةً في مجموعةٍ واحدة، شكرتُه وسحبتُ صديقي خارجاً قبل أن تأسرَني الكتبُ فأفرغُ محفظتي انتقاماً من هذا العشق القاتل.
خرجتُ أجرُّ رفيقي لاعناً هذا الهوى، فطالعتنا الأقدارُ بمكتبةٍ أخرى انتصبت على رصيفٍ آخر في مواجهتنا تماماً، فعلت وجهي الابتسامةُ، والحسرةُ وجهَ صديقي. دخلنا مكتبة "الشّروق" وخابَتْ رغبتي من جديد، فلعنتُ الرّغبة والحسرة معاً، وانقلبت الأدوارُ فعلتِ الابتسامة لا بل الضّحكة وجه الصّديق! شزراً نظرتُ إليه فسكتَ، ومن فرط غضبي قلتُ له سأتركُ البحثَ إلى يومٍ آخر أكون فيه وحيداً، فهدّأ أحوالي وقال: كنتُ أمازحك يا رجل ما بك؟! قلتُ: اعذرني فمجرّد الدّخول إلى عالم الكتبِ والعودة صفر اليدين يملؤك من الغيظ، وعقّبتُ: تعالَ معي سأريك شيئاً، وسرتُ به عائدين في شارع طلعت حرب حتّى وصلنا المرمى فأوقفتُه وقلتُ: انظر هذه العمارة. وقفَ ينظرُ إليها ثمَّ إليَّ ورفع يديه باندهاشٍ وسألَ: "إي... وبعدين؟! شو فيا يعني؟". حماقتي امتدّت وقلتُ: آه، يا... هذه "عمارة يعقوبيان". وشرعتُ أقصُّ عليه حكايتها منذ نشأتها وحتّى اليوم: هذه العمارة أُسّست في العقد الرّابع من القرن العشرين على يد الثريّ الأرمنيّ جاكوب يعقوبيان، وبعدَ الثّورة في مطلع الخمسينات تحوّلت إلى شقق سكنها الضبّاط. سمعتُ عنها بعدَ أن ألّف طبيبُ أسنان مصريّ يُدعى علاء الأسواني روايةً تدورُ أحداثُها في هذه العمارة وشخصيّاتها المختلفة مجسّدةً في صغرها المجتمع المصريّ الواسع. ومثّلَ عادل إمام دورَ البطل زير النّساء في الفيلم الذي أخرجه عنها مروان حامد. نظرتُ إليه بعد هذا العرض السّريع فوجدتُه غير مهتمّ لا بل متعجّباً من اهتماماتي التّافهة هذه!!! رأى الحزنَ يطبعني فقال لي: سنذهبُ إلى مكانٍ يروق لي ولك معاً "سيتي ستار" ها ما رأيك؟! قلتُ: حسناً!
دخلنا هذا المركز التجاريّ العملاق وسارعنا إلى سوقِه حيث المؤونة والغذاء، وحملنا معنا ما يكفينا أسبوعاً وكانَ بينها باذنجان أبيض أراه لأوّل مرّة أخذناه لنصنعَ منه مع الكوسا والبندورة والفليفلة طعاماً نسمّيه "دولما" وهو "المحشيّ" عند البعض الآخر. بعدَ جولةٍ أخرى من التسوّق والتجوال في هذا "المول" جلسنا في أحد مقاهيه وطلبتُ كأساً من الشوكولا المثلّجة، بينما اشتهى صديقي كأساً من الشّاي.
عُدنا إلى البيت واقتصر العشاءُ على بقايا الغداء من السباجيتّي وملحقات الصّفرة الأخرى.
وهكذا انتهى نهارٌ آخر وأدركَ القرصانَ الصّباح فسكتَ عن الكلام المباح.

ارسلان
21/07/2008, 19:55
لقد قرأتك مساءً وهذا يعني أن جرحي و خيبتي سـ يمتدان بي حتى صباح الغد
يبدو ان ألمنا اليومي أشرق بدلاً من الشمس فعمدتنا لعنت الفقر بخيبات
عجزنا عن ملامسة أمثال تلك الروايات التي تترفع بأسعارها عن مصافحة أكفنا
ما دامت محافظنا تعلن كل يوم أنها أكثر تقوى من نبينا أيوب فتصوم كل يوم ولا تفطر في أي يوم

أصبحت وجبتي الرابعة
دمت لذيذ كـ أنت

suryoyo
21/07/2008, 22:06
ذكرتني بعشقي للكتب و المكتبات الضخمة ..... !

كنت اتمنى لو كنت انا معك في تلك الساعة ... لفرغت جيوبنا معا و رجعنا مشيا او هرولة :lol:


تحية معطرة للقراصنة ....

قرصان الأدرياتيك
21/07/2008, 23:40
لقد قرأتك مساءً وهذا يعني أن جرحي و خيبتي سـ يمتدان بي حتى صباح الغد
يبدو ان ألمنا اليومي أشرق بدلاً من الشمس فعمدتنا لعنت الفقر بخيبات
عجزنا عن ملامسة أمثال تلك الروايات التي تترفع بأسعارها عن مصافحة أكفنا
ما دامت محافظنا تعلن كل يوم أنها أكثر تقوى من نبينا أيوب فتصوم كل يوم ولا تفطر في أي يوم
أصبحت وجبتي الرابعة
دمت لذيذ كـ أنت

عزيزي أرسلان
طرقتْ نفسُك بابي هذا المساء، وعندما فتحتُ لها حدّثتني بلغةٍ أعرفُها ولكنّي لم أفهمْ منها أشياءَ، فهلا أسعفتني باقترابِك منّي؟!
ذكرتَ الخيبة مرّتين في حديثِ المساء، فلماذا شعرتَ بها يا صديقي؟ هل للحديث صلة بها، أم تعني الفقرَ والكتاب وأشياءَك أنت؟
مودّتي.


ذكرتني بعشقي للكتب و المكتبات الضخمة ..... !
كنت اتمنى لو كنت انا معك في تلك الساعة ... لفرغت جيوبنا معا و رجعنا مشيا او هرولة ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
تحية معطرة للقراصنة ....

هذا هو ذنبي الأكبر يا ابنَ أمّتي الغالي! صدّقني بتُّ أيّاماً على الطّوى لأنَّ الكتابَ كان يفقرني أكثر ممـّا أنا فيه... ولطالما فضّلتُ القراءة على شراء الطّعام...
آهٍ لو كنتَ معي... لكنّا أفلسنا كما أفلسَ عمرُ أبو شعر :p. (اشتعل مذهبك يا تيم عبّاس).
ܪܶܚܡܰܬܝ̄.

قرصان الأدرياتيك
04/08/2008, 06:10
الخميس 27 آذار 2003

لم أتزحزحْ عن الفراشِ حتّى الثّانية بعدَ الظّهر، وهذا يعني أنّي داومتُ في عملي هذا، أي النّوم، اثنتي عشر ساعةً بالتّمام والكمال. وهذا يعني أيضاً أنّي قضيتُ نصفَ يومٍ في غياهبِ النّسيان والموت! ويجرّني هذا معه إلى التفكيرِ في رغبتي في الموت مقدار رغبتي في الحياة. لكنّي نكزتُ رأسي وقلتُ: دع عنكَ هذا الاستنتاج الخاطئ، وتذكّر يا هذا أنّك استيقظتَ رغماً عن أنفِك لا بل نهضتَ من السّرير ورأسُك تؤلمُك من كثرة الرّقاد، ولم تفعلها حبّاً في الحياةِ أو العملِ أو ما تبقّى عليك من واجب، بل قمتَ به لأنّك أردتَ الهربَ من آلامِك...
كفى! كفى! اسكتْ!!!
دعني أُكمل: باختصار كلُّ ما جاءَ في تلك المقدّمة يعني أنّك تحبُّ الموتَ أكثر من الحياة، فبئسَ حياةٍ هي حياتك وطوبى لموتك فأنت تستحقّه عن جدارة.

شارفتْ سنتي الجامعيّة الأخيرة على الانتهاء، وما زلتُ أشعرُ بأنّي فتىً يلهو مع أقرانِه في لعبةِ الحياةِ هذه، ولستُ مستعدّاً لمواجهة أيّ شيء. ماذا تعني الشّهادة؟ أليست إنذاراً يخبرك أنَّ العملَ على الأبوابِ يقرع؟! من كثرةِ التفكير في الأمرِ شعرتُ بعجزي لا بل رأيتني شيخاً لم يتعدَّ الجيلَ الثّالث من عمره، شيخاً هرماً تطعنهُ الحياةُ كلَّ يومٍ وكأنّها لم تقتبلْه ولا تريدُ أن تراه. تمزّقه بمخالبها وتفترسُه بأنيابها وتجعلُ منه عظاماً ملقيّةً أمام نسور الأزمان. في الحقيقة أنا نفسي أحسُّ مثلها، وينتابني الشّعورُ نفسُه وكنتُ أتخيّلُ الحياةَ كلَّ لحظةٍ رجلاً فأطعنُه بخنجري المسنون المعقوف ولا أكفُّ عن الطّعنِ حتى أرى الموتَ بين أجنابِها، أطأها برجليَّ كما وطئ المسيحُ الموتَ... فأمّا وهي ليست كذلك، ليست على ما أتصوّره في مخيّلتي، فهذا مجرّد أضغاث أحلام يؤلمني جداً معرفتها على ما هي عليه في الواقع!!!

jano.
10/08/2008, 01:59
أخذنا القرصان معه في جولته الاولى الى الاديرة العتيقة التي تبكي حجارتها على الامس المزهر, والتي يختزن خشبها رائحة البخور منذ القدم...
وفي جولته الثانية عرفنا ان القرصان يقرأ بنهم وعنده الكتاب اهم من الطعام, ورفوف الكتب تشهّي أكثر من موائد الملوك..
وقبل ان يحرمنا من مذكراته الرائعة ويتركنا نشتاق لقلمه الانيق وصف لنا بؤس الحياة وما تحمله من آلام ...

أين انت يا قرصان؟!

قرصان الأدرياتيك
10/08/2008, 03:36
أخذنا القرصان معه في جولته الاولى الى الاديرة العتيقة التي تبكي حجارتها على الامس المزهر, والتي يختزن خشبها رائحة البخور منذ القدم...
وفي جولته الثانية عرفنا ان القرصان يقرأ بنهم وعنده الكتاب اهم من الطعام, ورفوف الكتب تشهّي أكثر من موائد الملوك..
وقبل ان يحرمنا من مذكراته الرائعة ويتركنا نشتاق لقلمه الانيق وصف لنا بؤس الحياة وما تحمله من آلام ...
أين انت يا قرصان؟!

عزيزي الرّهاويُّ...
ها قد مضت ثلاثُ ساعاتٍ من نهارِ يومٍ جديد، يومِ المسيحيّين المُقدَّس!
ما زال الضّوضاءُ في الخارجِ يدلّني على وقعِ الحياةِ الرّتيب...
هل تعلمُ يا صديقي أنَّ غمرةَ لا تنام؟! لأنَّ الحياةَ فيها أدوارٌ لا تنتهي.
بعدَ ساعةٍ تقريباً سيخرجُ صاحبُ الجراج في حيّنا العتيق من منزلِه ليخلعَ عنه دورَه الحقيقيّ، فيلبسَ العمامةَ ويعلنَ الأذانَ في الجامع المبنيّ تحت الكوبري، يدعو الناسَ إلى الصّلاة وما أقلّهم!
هل تعلمُ أيضاً أنَّ الصّلاةَ لا تطيبُ لي إلا على نورِ السيجارةِ ودخانها؟! نعم فإنَّ اللهَ غفورٌ رحيم...

دعكَ الآنَ منّي ومن سيجارتي اللعينة ومن غمرةَ ومن المؤذّن وهلمَّ معي في رحلةٍ قصيرة بين ساعات ذاك اليوم الكئيب:



الأحد 30 آذار 2003
نباحُ الكلابِ في الخارج يشعرني برهبةِ القذائف الأميركيّة- البريطانيّة المتساقطة على أرض العراق! لا يختلفُ الفاعلون عن كلابِ هذا الصّباح، جميعهم ينبحون، هؤلاء من أجلِ الحصولِ على كسرةٍ تسدُّ رمقَ تشرّدهم، وأولئك من أجلِ عظامٍ سوداءَ من نوعٍ فريد...
هي السّاعاتُ الأولى من الصّباح، والجميعُ يرقدون بأمان، وأطفالُ العراقِ يئنّونَ في مضاجعهم، والكبارُ يسهرون بقلوبٍ واجمة، محدّقين إلى مستقبلٍ يلفّه ضبابٌ من دخان ومن موتٍ كئيب!!!
تنهمرُ القذائفُ بدلاً من الأمطارِ، وعلى ضجيجها تتصاعدُ آهاتُ البكاءِ والنّحيب، يبكونَ آباءً وأمّهات وإخوة وأخوات وأبناء، يبكون الموتَ، ولا ينفعهم بكاء.
قلبي يعتصرُ كمداً، فحنيتُ القلمَ وأبيتُ النزيف على أديم الأوراقِ، وأطفأتُ النورَ وخرجتُ حاملاً دمعات تردّد: "أيّامُ الإنسانِ كالعشبِ تمضي، وحياتُه كزهرِ الحقلِ تذوي".

jano.
10/08/2008, 04:03
كلماتك عن العراق الجريح جعلتني أُشعل سيجارةً وأصلّي, صلّيتُ كما تَفعل ويطيبُ لك...
سألتُ الله: "يارب, أخبرتنا بأن وطننا الحقيقيّ هو السماء... ولكن أين يجب علينا الإنتظار إلى أن نصل لوطننا السماء؟!"

تباً للحروب...

jano.
10/08/2008, 07:02
هاقد مضت الساعة السادسة من نهارنا الجديد...
الهدوء الذي يحيط بيّ منعني من نسيان ذاك اليوم المشؤوم الذي ذكّرتنا به!
اشعلتُ سيجارتي الثانية وأنا مازلت أفكر بشرقنا الحزين, الشرق الذي تعود على الحروب... الشرق الذي نسي الحبّ وهو الذي انبعثت منه أول رسالة حبّ...

***

سألتهُ في ذاك اليوم مستفسراً عن العراق وعمّا جرى في بلد الجوار... سألتهُ لأنه ابن الوطن, سالته لأنه ابن الحيّ, لانه رفيق الأيام...
وياليتني لم أسأل!

"سننتصرُ عليكم!!!!! ستعودون خائبينَ الى حيثُ أتيتم!!!!"

كلمات ذاك المتجهّم آلمتني بقدر ما آلمكَ أنين الأطفال وبكاء الأمّهات..
تمنّيت لو انشقت الأرض وابتلعتني, تمنيّتُ لو اصبحتُ حجراً صامتاً بين حجارة الحيّ.
ربما كنتُ أول من يحسد الحجارة!
نعم حسدتها لأنها لا تتألم ولا تحزن,
لأنها لا تؤمن بوجود الأقنعة, ولا تأبه لسقوطها إن وُجِدت......
منذ ذاك اليوم وأنا أهتم بالحجارة وربما أفضلها على الكثير من البشر
بدأت أفهم عبارتها التي تنطق بها دوماً,
تلك العبارة الغريبة التي لم أكن افهمها من قبل, ها أنا أرددها كلّ يوم:

"مزيداً من الحبّ سينُهي الظلم!!... مزيداً من الحبّ يا أهل الشرق!!"

قرصان الأدرياتيك
12/08/2008, 08:45
تباً للحروب...

ألفاً وربوة...

أنا آسف يا صديقي إن كنتُ آلمتُك بهذه الذّكرى، ولكنَّ الأوراقَ كما تعلمُ تختزنُ الصّالح والطّالح، ولابُدَّ من عرضهما على حالهما أيّاً كانا!
وأشكرُك على كلماتِك المضافة إلى هذه الصّفحات يا ابنَ الرّها السريانيّة.

قرصان الأدرياتيك
12/08/2008, 08:48
الخميس 3 نيسان 2003

كنتُ أسيرُ على وقعِ نسيمِ الرّبيعِ، يلفحني بلطفِه، فألفحُه بتجهّمي! كنتُ أبكي بكاءً مرّاً، وإن سُألتُ عن السببِ فالإجابةُ لا تروي الغليل: لا أذكر... والحفنة التي تحتويها وريقتي الصفراء هذه لا تشيرُ إلا إلى آثار الدّموع وانسحاق نفسي الحزينة حتّى الموت.
بالقربِ من البستانِ انتشر مستنقعٌ متجهّمٌ هو الآخرُ لكثرة سوادِه وفسادِه... اقتربتُ منه، فكانت المفارقةُ: كلانا مُتجهِّمان مُتحمِّمانِ والفرقُ الوحيدُ بيني وبينه كانَ اختلاجُنا. فبينما نشجتُ أبكي وأنتحبُ كانت الضفادعُ تنقُّ بصخبٍ لا مثيل له! أليست مفارقةً أن أبكي وحيداً وأن تنقَّ الضفادعُ مجتمعةً كلانا في بحرٍ من السّواد؟!
أدرتُ ظهريَ للمكانِ ومسحتُ ما تبقّى من فيضِ عينيَّ وامتطيتُ الطّريقَ مرنّماً أنشودةً سريانيّة عتيقة يقولُ مطلعُها:
ܦܬܰܚ ܠܺܝ ܡܳܪܝ ܬܰܪܥܳܟ ܡܠܶܐ ܪ̈ܰܚܡܶܐ... افتحْ لي يا ربُّ بابَ مراحمِك كما فتحتَه أمام الخطاة...

إبريل
12/08/2008, 19:21
يا غريبَ الدارِ عن وطنِه مُفْرداً يبكي على شجنِه
كلّما جدّ البكاءُ بهِ دبّتِ الأسقامُ في بدنِه
ولقد زاد الفؤاد شجىً طائرٌ يبكي على فننه
شفّه ما شفّني فبكى كلّنا يبكي على سكنه


هذا ما توارد لذهني من شعر ابن الأحنف لدى قرأتي لكلماتك،
غاية في الجمال أيّها القرصان .
تقبل مروري .. ,, ..

ربيع الأحزان
13/08/2008, 01:18
تأخذنا بين الحروف

في صباحك ومسائك نشرد معك وننام ونستيقظ معك

نحتار ونبكى معك ونتسآءل كثيرا مثلك

لك رواية رائعه تجيد فيها عن حق أخذنا معك

شكرا لك

قرصان الأدرياتيك
13/08/2008, 02:19
هذا ما توارد لذهني من شعر ابن الأحنف لدى قراءتي لكلماتك،
غاية في الجمال أيّها القرصان .
تقبل مروري...

شعرٌ جميل فيه من الشّجن ما فيه من الحنين، وكانَ البيتُ الأخير يُصوّر فعلاً تلك الكلمات في ذاك المساء.
فأمّا عن الجمال فأنتِ الأجمل...
اليومَ صباحاً ذكرتُك في مشاركةٍ بسيطة رقمُها 24 في هذا الرابط
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)
محبةً (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////) فيك وفي عقدِ السّلامِ معك :D.

قرصان الأدرياتيك
13/08/2008, 02:23
تأخذنا بين الحروف
في صباحك ومسائك نشرد معك وننام ونستيقظ معك
نحتار ونبكى معك ونتسآءل كثيرا مثلك
لك رواية رائعه تجيد فيها عن حق أخذنا معك
شكرا لك

الحرفُ والصّباحُ والمساءُ والتشرّدُ...
أنتِ فيها بكلِّ ما فيها!
لطفُِكِ يسبقني فيلقي باقةً من زهرِه قدّامَ نافذتي.
الشّكرُ لكِ أنتِ يا ربيع الحزنِ والأحزان.

قرصان الأدرياتيك
13/08/2008, 03:00
الأربعاء 28 أيّار 2003
جونيه- لبنان

ها قدْ بلغَ هذا الشّهرُ أيضاً قبرَه، تنقصُه ثلاث ساعات! ما زلتُ في مكاني وفي تلك الغرفةِ الصّغيرة في رحبِ منزلٍ أقتربُ بخوفٍ وترقّب من الامتحانات الجامعيّة الأخيرة... ستكون الأخيرة أليسَ كذلك؟ تساءَلَ. قَدْ لا تكون، أجابَ! وبين هذا وذاكَ قمتُ نافضاً نفسي وراكلاً حالي، خطوتُ نحوَ البابِ... غبتُ قليلاً وعُدتُ بعد أن أعددتُ كأساً من الشّاي الثّقيل على الطّريقة العراقيّة الرّيفيّة. فتحتُ دفاترَ ذاكرتي وتذكّرتُ حلمَ البارحة...
كانت روحي تهيمُ بين الأوجاعِ، وكآبةٌ لا نبعَ لها تحلّقُ فوقها وتحاولُ عبثاً أن تبتني لها عشّاً فوق ذراها، بينما هجعَ الصّمتُ في خلوته وراح يجلدُها بسكينته. طالتْ وامتدّت فعانقت الأوجَ وما كنتُ أعلمُ في الحقيقة إن كانت روحي تلكَ ترغبُ في تسلّقِ السَّماءَ سعياً نحو إكليلِ النّهاية!
أحداثٌ أخرى وقعتْ هناكَ حيث لا رغبة ولا إرادة، هناك في الحلم... نزلتُ فيه إلى مثوى الأمواتِ حيث البكاء وصريف الأسنانِ، لأرى وجوه الموتى وأجسادهم البالية، وأيّ رؤية! كانَ الدّرجُ حجرياً ملتفّاً معلّقاً في الظّلامِ يغرقُ في أغوارِه، وأنا أواصلُ السّيرَ منحدراً وأخيراً تحسّستُ الدرجة الأخيرة، حاولتُ أن أميّزَ بعدَها شيئاً، فكان ذلك عبثاً! تجرّأتُ على النّظرِ إلى الأسفل لتقع عيناي على عتمةٍ لم ألقَ لها مثيلاً سوداءَ تبلعُ الليلَ المهجور. اصطكّت الأسنانُ وارتعدت الفرائصُ حتّى أنَّ الدّودَ فيّ اهتزَّ طرباً فقد شارفَ مبغاه. كنتُ مُلزَماً عليه، عليّ أن أقفزَ في حضنِه، وفعلتُ مُغمَضَاً. كانَ كلُّ شيءٍ يتحوّلُ ويختلطُ، ينفعلُ ويصرخُ متألّماً، أين أنا؟ كنتُ في قلبِ الموت!!! ما عدتُ أقدرُ على التمييز فامتزجَ الضّحكُ بالبكاءِ وقهقهات المائتين تركضُ دامعةً، الأصواتُ والكلامُ والأجسادُ التي نزعت عنها بشرتها... كلّه وسط ظلامٍ لا يُدرَك... وقعتُ في مكاني والعرقُ يغمرني وأنفاسي تتقطّع، وجدتُ غرفتي كما كانت وفراشي يمتدُّ كفرسٍ حانية.
أقفلتُ ذاكرتي وختمتُها بالشّمعِ الأحمر وعُدتُ إلى نفسي أرتشفُ الشّايَ مستمعاً إلى أمَّ كلثومٍ تنشدُ:
أمل حيـاتي يا حبّ غـالي مـا ينتـهيـش
يا أحلى غنـوة سـمعها قلبي ولا تتنسـيش
خـدْ عمري كلّه بس النّهار ده خلّيني أعيش
خلّيني جنبك في حضنِ قلبك...
وسيبني أحلم يا ريت زماني مـا يصحنيـش.

إبريل
13/08/2008, 07:14
أيْ قُرصان، سَلامٌ مُحمّلٌ بالامتنانٍ، تَنقله كلماتي المتواضعةُ لجانبكم.

محبةً (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////) فيك وفي عقدِ السّلامِ معك
أما والله قَد قبلنا الكلمتينِ في بدايةِ الجُملة، ولكن –وحسبَ معلوماتي- فإنَّ السّلامَ نقيضُ الحربِ و أنتَ تريدُ عقدَ السّلامِ، ألا يجبُ أنْ تقومَ الحربُ أولاً لتنتفي بعقدِ سلامٍ! فاعلمْ إذن يا كبيرنا أنَّ السّلامَ هو ما كانَ وما سيكونُ بإذن الله .
ليست تحضرني اللحظةُ إلا جملةُ الألمانيّ كانت : " السماءُ المضاءةُ بالنجومِ فوقُ رَأسي، والقانونُ الأخلاقيُّ في داخلي " وَليست شيمي تُملي عَليّ أنْ أبدأَ حَربا – لا ناقةَ لي فيها ولا جمل- لاعتباراتٍ أهمُّها أننا اجتمعنا إلى مائدة العربية نتلذذ ونشتهي، فنأكلُ حيناً و نُؤكَلُ أحياناً.
ما كانَ ذلك – من رّائي أو رّاني – إلا بسببِ تذكّري لأبياتٍ - تعرفها بالطبع- خَطّها حافظ إبراهيم عندما تَكّلمَ بلسانِ العربيةِ فقالَ :
وسعت كتاب الله لفظاً وغايةً وما ضقت عن آيِ به وعظاتِ
فكيفَ أضيقُ اليومَ عن وصفِ آلةٍ وتنسيق أسماءٍ لمخترعاتِ
وإذا كان شنقهُ سيشرفني بقراءةِ ردودكَ، ويرشدني إلى تصحيحِ أخطائي فليكن شنقاً أو رمياً بالرصاصِ ذلك مع انتفاءِ القولِ : الغايةُ تبررُ الوسيلةَ .
بصراحةٍ مُطْلَقةٍ فقد كتبتُ لكَ بعدَ أنْ أفحمتني بالردِّ وما عتبتُ – والله - على شيء إلا على نعتكَ لي بفارسة العربية إذ استشففت فيها تهكّماً قد بلغَ من القلبِ مبلغاً، وغيرُ ذلك ما أزعجني – واللهُ على ما أقولُ شهيدٌ- ولكن ولعَبَث الأقدارِ استسلم المتصفّحُ اللعينُ، وترّدت " الصاروخة " من علٍ وهكذا ضاعتِ الرسالةُ.
كلّي رجاءٌ أنْ ينزلَ كلامي منزلاً مُباركاً، وإلا تجدَ فيه ما يستوجبُ الجلوسَ إلى عقدِ سلامٍ، فالصفحُ من شيمِ الكرامِ.
طالَ ردّي و أنا آسفة لهذا، ولكن بعضٌ من كلٍّ، وللحديثِ بقيّةٌ – إنْ شئتم – يا قرصاننا العتيد .
وتفضّلوا بقبولِ فائق الاحترام والتقدير :D.

قرصان الأدرياتيك
14/08/2008, 03:12
الفارسة العزيزة رنا
تحيّة قلبيّة تُسبَغُ عليك من الأعالي، ونفحة حبٍّ لما ألقيتِه على سطورك الورديّة هذه، أمّا بعدُ...

كلامُك في البدايةِ أشعلَ شهوة التذوّق فيّ، فاقتطعتُ منه قطعةً لا بأس بحجمها ولونها ورائحتها، وأعجبني المذاق!
ثمُّ انتقلتُ بعدها بين أصناف مائدتِك هذه لأجدَ محبّتك للعربيّة ورغبتك فيها تعلو كلَّ شأنٍ ومطلب، فاجتمعتُ بك وكانت كفّي بكفّك تجمعان من قصعةِ الرزّ ومن ثريدها سمناً عربيّاً أصيلا.


بصراحةٍ مُطْلَقةٍ فقد كتبتُ لكَ بعدَ أنْ أفحمتني بالردِّ
صدّقيني إن شئتِ، أنا بائسٌ في حقلِ العربيّة، والأخطاءُ التي تتخلّلُ كتاباتي وردودي بيّنةٌ، وأعرفُ ذلك حقَّ المعرفةِ، وما جاءَ سؤالي إليك عن خطأي إلا رغبةً في إصلاحِ القولِ، ولم يكن مقارعةً على الإطلاق، فأمّا سكوتك عن الإجابة فقد أحزنني فطلبتُ منك العودة إليه...
فأمّا ما جاءَ في البقيّة الباقية فلم يكن إلا رغبةً في تواصلٍ لغويّ يسعى نحو البناءِ لا الهدم!

وما عتبتُ – والله - على شيء إلا على نعتكَ لي بفارسة العربية إذ استشففت فيها تهكّماً قد بلغَ من القلبِ مبلغاً
إنْ عُدتِ إلى ما سبق ذلك وما تلاه، وقرأته بعينِ أخرى، فلن تجدي فيه تهكّماً ولا استصغاراً ولا شيئاً ممّا خطر على بالك عندَ اشتداد العراك! لأنّي صوّرتُ نفسينا بفارسين يقتتلانِ في ميدان العربيّة، وحسبي أن أكونَ مثلك، ليخرج تفسيرك عن غايتي من التصويرِ!!!

أشكرُك وأشكرُ تفهّمك ولنا لقاءٌ آخر ودمتِ.

قرصان الأدرياتيك
19/08/2008, 05:28
الجُمعة 29 آب 2003
في الطّريق بين فرنسا وألمانيا


كانَ ذلكَ منذُ شهرٍ تقريباً، فالزّمن لا ينتظرُ أحداً، أمضى أيّامَه مسرعةً تلقي مخلّفاتها في حاويات الماضي والذّاكرة... غادرتُ بلدتي الحبيبة صباحَ الأربعاء في الثلاثين من الشّهرِ الماضي تمّوز لأتناولَ الغداءَ في حلب والاستعداد للرّحيل. وعندَ المساء حملتني سيّارةُ الأجرة لتضعني بعدّتي وعتادي في المطار ومنه حلّقنا في التاسعةِ باتّجاه مطار دمشق الدّولي. مكثتُ في الترانزيت ولسوءِ حظّي أكثر من أربعِ ساعاتٍ لتنطلق بي طائرةٌ أخرى في الثّالثة من صباح اليوم التّالي. ولظروفٍ يعلمُها اللهُ وإدارة الشّركة السوريّة للطيران، تغيّر اتّجاهُ الرّحلة في الجوّ، كما يحدثُ في أفلام هوليوود؛ فعدّلتْ مسارَها باتّجاه العاصمة الإسبانيّة مدريد بدلاً من الهبوط في مرسيليا الواقعة في جنوب فرنسا. مكثنا هناك أكثر من ساعةٍ بقليل بعد أن هبطنا في الثّامنة صباحاً، وحصلتْ الطّائرة على كفايتها من الوقود لتحلّق بنا نحو المدينة المنشودة! تمَّ كلُّ شيء في غضون ساعتين، فحملتُ المتاعَ وخرجتُ لأجدَ دومينيك والدة صديقي بانتظاري يرافقُها كارلوس الأرجنتينيّ وآخر لا أعرفُ عنه شيئاً. خلال الطّريق، وبرغم التّعبِ الذي ملأني حتّى الثّمالة، زرنا مدينة مريمات البحرِ القدّيسات Les Saintes Maris de la mer ويروي التقليدُ الفرنسيُّ أنَّ مريمَ المجدليّة تلك المرأة التي أخرجَ منها يسوع سبعة شياطين (كنايةً عن الخطايا) ومريم أخت ألعازر وصلتا هذا المكان البحريّ قادمتين من أورشليم (فلسطين)، وهنا أُقيمت كنيسةٌ تذكاراً لهما، فيها أطلقنا الصّلوات، ودفعنا أرجلَنا تجولُ في أزقّة وساحات هذه المدينة الغارقة في جمالٍ فريد.


انتهى هذا اليوم المتعب عندما وضعتُ رأسي على المخدَّة في الخامسة عصراً وغبتُ في نومٍ عميق. كانَ الظّلامُ يعمُّ المكانَ عندما استيقظتُ من كثرةِ العطشِ الذي ألمَّ بي، كالحمَّى، دون استئذان، مكثتُ لحظات على هذه الحال، ثمَّ تابعتُ السّيرَ في رقادي دون تردُّد!

في اليوم التّالي، أي الجمعة، زرتُ مدينتي الجديدة مونبلييه Montpellier الواقعة في وسط جنوب فرنسا وتعرّفتُ سريعاً على وسطها السياحيّ بجولةٍ قمتُ بها مع الأرجنتينيّ النّحيف كارلوس. وبعدَ عدّة أيّام، ولعدم رغبتي في قضاء الوقت عبثاً، ذهبتُ إلى أحد معاهد البلدة لتعلّم الفرنسيّة، وهناك قامتْ ناتالي سكرتيرة الطلبة باصطحابِ الطلاب الجدد للتعرّف على أهمّ آثار المدينة الثقافيّة والدينيّة، حيث حدّثتنا بلهجةٍ فرنسيّةٍ جنوبيّة، لم أفهم منها إلا الإشارات، عن كاتدرائيّة القدّيس بطرس التي سلبتْ أنظارَ الجميع. ثمَّ أسرعتْ بعدها لتقف بنا أمام أقدم جامعات الطبّ في العالم.

كانَ هذا الشّهرُ سياحيّاً ثقافيّاً بطرازٍ رفيع نقلتني أيّامُه بين مدنٍ مختلفة مثل نيم Nîmes. تجوّلنا فيها ليومٍ كامل ومررنا على المسرح الرومانيّ المدوَّر، المُشابه للكولوسِّيوم الرّابض في وسط روما القديمة. لم نتمكّن من الدّخول بسبب خضوعه للترميم والإصلاح، فعدّلنا المسير متّجهين نحوَ مكانٍ آخر. التقينا بأثرٍ رومانيّ آخر هو المعبدُ المسمَّى بـ "المربَّع"، وهناك فاحت روائح جثث الآلهة التي ماتت منذ تلك الأيّام! ولم نغادر المدينة دون العبور في محطّة الجسر الضّخم العتيق المدعوّ Pont Du Gard Aqueduct، وهناك بقينا صامتين مدهوشين كراهبٍ راكعٍ أمام المصلوب.

تشابهت الزّيارة في مدينة آرل Arles حيث تباركنا من الفنّ الرّومانيّ في مسرح المدينة ومتّعنا النّظر من جديد بهيبة الكولوسِّيوم الآرليّ، وبقربِه اخترنا مطعماً صغيراً ذقتُ فيه الكريبْ الفرنسيّ للمرّة الأولى.

هكذا كانت أسفارُنا بين مدن الجنوب فمن إكس آن بروفانس aix- en- provence حتّى مرسيليا التي قضينا فيها ليالٍ لا تُنسى، ومن شاطئها أشاروا لنا إلى جزيرةٍ بعيدة قائلين: تلك هي جزيرة مونت كريستو! ومرّةً كنّا نجتازُ حيّاً فقيراً بالياً من أحياء المدينة، فقال صديقي الفرنسيّ مشيراً إلى مجموعة البنايات المليئة بثياب الغسيل كلوحةٍ تشكيليّة، هنا وُلد زينُ الدّين زيدان. ولم نفوّت البحرَ إذ قضينا نهاراً كاملاً على شاطئ كَسّيس cassis الصّخريّ وهناك قفزتُ كالمجنون في بحرٍ تملأه الصّخور الضّخمة القريبة من سطح المياه من ارتفاعٍ يزيد عن ثمانية أمتار. ومن شدّة الهلع شعرتُ أنَّ الصّخرة التي هبطتُ عليها وقعتْ فوقَ رأسي، والماءُ يجعلُك مقلوباً فلا تعلم رجليك من رأسك. كنتُ مفعماً بحماسة الشّباب وحماقتهم!!!

تميّزت مدينة آفينيون Avignon بقصرٍ ماردٍ راسخ بالقرب من نهر الرّون Rhon يصله ممتدّاً بأجنحته وساحاته وجدرانه فيبلغ قلبَه عبر جسرٍ يروي عنه التقليد أسطورةً مقدّسة. فأمّا القصرُ فيدعى قصرَ البابوات، أقامُه البابا إقليمندوس الخامس الذي جاءَ فرنسا ليسكن هذه المدينة، وبقي من بعده تسعٌ من رؤساء الكنيسة الرّومانيّة يقطنون فيه، حتّى استطاعت قدّيسةٌ سويديّة تُدعى بريجيديا، بتقواها وقداستها، إقناع البابا بالعودة إلى روما كرسيّ الخلافة البطرسيّة سنة 1377. مكثنا في القصر مدّةً لم تكفِ للتعرّف عليه كما يليق بهذا الصّرح التاريخيّ، ومنه ارتجلنا الطّريقَ نحو جسر القديس بينيزيه الشّهير.
لهذا أيضاً أسطورة دينيّة تروي أنَّ أهلَ البلدة كانوا يذوقون المرَّ في عبورِ النّهر العريض، فقامَ قدّيسٌ يدعى بينيزيه ببنائه بمعونة الملائكة. لطالَما أدهشتني تقوى المؤمنين!!! حكايات وغرائب يتمسّكون بها ويرصفونها بين أحجار التقليد لتصبحَ في ما بعد مدماكاً رمليّاً عليه يُقيمون الإيمان... هراء! فالأخير لا يقوم إلا على الاختبار والمعرفة ولا يبدو جليّاً إلا بالأعمال.


نعودُ إلى الصّفرِ والعودُ أحمدُ، ففي هذا اليوم بالذّات أي التاسع والعشرين من آب غادرتُ البلدة التي عشقتُها وقضيت بين ربوعِها شهراً من الزّمنِ راكبلاً الحافلة. في الحقيقة خُيّرتُ بين الطّائرة والقطار وتلك، وفضّلتُ الأخيرة لرغبتي في قضاءِ وقتٍ طويلٍ وحيداً مسافراً ألقي بما بقي عندي من نظرات على البلاد التي تنتشر على طول الطّريق! وهكذا أقلّتني السيّدة دومينيك بسيّارتها السيتروان إلى المحطة وفيها ركبتُ حافلة ألمانيّة يقودُها رجلٌ بشاربٍ أحمرَ عريض غاضبٌ على الدّوام. دخلتُها وجلستُ في المقعد الأوّل خلفَ السّائق، وما أن وضعتُ نفسي في مكانِها ورآني النازيُّ الواقف خارجاً حتّى هبَّ حانقاً يصيحُ في غضبٍ Nein ...Nein... محرّكاً سَبَّابته يميناً شمالاً وهو يتّجه نحوي. في الحقيقة لم أفهم ماذا يريد لأنّي وللمرّة الأولى أسمعُ هذه الكلمة الألمانيّة. دخل وبدأ يصيحُ فيّ بلغته المملوءة خاءً، وشاربه يهتزُّ وقد جحظتْ عيناه فقلتُ في نفسي: اللهُ يعلمُ كم شربَ هذا السكّير قبل الرّحيل! أجبتُه بإنجليزيّة ركيكة وقلتُ: لا أفهم الألمانيّة حدّثني بالإنجليزيّة. لكنّه بعرقِه الآريّ أبى عليّ ذلك واستكبر ومضى قدماً بلغة الفلسفة واللاهوت والاستشراق. تأفّفتُ مراراً وتكراراً حتّى أمدّني اللهُ بمعاونه اللطيف الذي لحقنا وقال لي بهدوء: يسألك ألا تجلس خلفه فهو يريدُ وضعَ حاجاته!!! لعنتُ هتلرَ سبع مرّات. وحملتُ حملي وأخذتُ مكاني في الطّرف الآخر.

بعدَ قليلٍ بلغنا آفينيون وكان علينا البقاءُ فيها ساعةً فنزلتُ وجلتُ في السّوقِ القديم متوقّفاً أمامَ مكتبةٍ لبيع الكتبِ القديمة. تأمّلتُ الواجهةَ وكتبَها المطبوعة بثقافةٍ فرانكفونيّة بيّنة. لم أجرؤ على الدّخول لأسبابٍ جلّها يتعلّق بفرنسيّتي "الفايتة بالحيط" وجيبي "المبخوش" كأبنية برج حمّود في بيروت!


عندَ مشارف مدينة ليون الجميلة بدأ الرّذاذ ينهمرُ ضافياً على مشهدنا عذوبة ما بعدها شيء آخر. في محطّة المدينة الرّئيسيّة حيث استرحنا لنصفِ ساعة تكرّر غضبُ النازيّ الذي رفضَ أن يحدّثَ شابّاً أميركيّاً إلا بلغة قومِه وبلدِه... أوفّ منك يا أحمرَ الشّارب! أسعفه المعاونُ مرّةً أخرى. مررنا أيضاً بستراسبورج ومدن أخرى كثيرة وأنا أرقبُ الطّريقَ وأذيّل الخارطة المفروشة أمامي بهوامشَ وإشارات متطلّعاً بين الفينة والأخرى على تلك اللافتة فوسفوريّة اللونِ Sortie حتّى لمحتُها من بعيد بلغةٍ أخرى تقول Ausfahrt وتشير إلى أنّنا وطئنا عتبة القبائل الجرمانيّة.

وأدركَ القرصانَ الصّباح فسكت عن الكلام المباح.

نكمل في المرّة القادمة ما تبقّى من هذا النّهار...

اسبيرانزا
19/08/2008, 18:38
نحن فى فرنسا معك مستمتعين
بنشتاق لقوس النصر ومقبرة العظماء
وكنيسة نوتردام ومتاحف فرنسا وبالاخص
متحف بوردو,,,بتمنى رحلة تحط هناك
مشتاقين كمان لنعرف عن الفرنسيين
تصرفاتهم وتفسيرك لسيكولوجياتهم
الاثار مهمة لكن الانسان دائما كان الاهم
فى نظر القرصان

قرصان ..انت افضل :D

قرصان الأدرياتيك
24/08/2008, 06:02
نحن فى فرنسا معك مستمتعين
بنشتاق لقوس النصر ومقبرة العظماء
وكنيسة نوتردام ومتاحف فرنسا وبالاخص
متحف بوردو,,,بتمنى رحلة تحط هناك

ذهبتُ مرّةً وجلتُ فيها لكن على عجلٍ فقد كنتُ غارقاً في أشياءَ أخرى...
تلك كانت من بين الرّحلات التي ندمتُ على قضائها!


مشتاقين كمان لنعرف عن الفرنسيين
تصرفاتهم وتفسيرك لسيكولوجياتهم
الاثار مهمة لكن الانسان دائما كان الاهم
فى نظر القرصان

أنتِ على حقّ... لكن يشغلنا التاريخ وبواقيه أحياناً عن النّظر إلى البشرِ وما فيهم!
تبقين على حق في ما قلتِ.

أنتِ الأفضل يا رجائي والأحلى.
بقي لي القليل في ربوعكم المصريّة...
كم أكره الفراقَ وكم عليّ أن أخضع له!!!

قرصان الأدرياتيك
24/08/2008, 07:14
مُلحَق

السبت 30 آب 2003
ألمانيا
استمرَّ المطرُ يغدقُ على الأرضِ المخضرّة خيراته وعلى الإسفلت مياهه حتّى الصّباح، وفي السّابعة والنّصف بلغنا محطّة مدينة شْتوتْجارتْ Stuttgart. كانت ابنةُ عمّي بانتظاري وتعانقنا طويلاً بعد غيابٍ أطول، وأخذتني مباشرةً إلى منزلها في ضاحيةٍ قريبةٍ من المدينة. مكثتُ في هذه البلاد الباردة أرضاً وشعباً لأسبوعٍ لا أكثر. زرتُ فيه مدينة أولْم Ulm الواقعة على ضفاف نهر الدانوب وحيث أعلى كاتدرائيّة في العالم. وتُعتبر هذه الكنيسة ثاني أهمّ الكنائس الألمانيّة القوطيّة (نمط فنّي) بعد كنيسة كولونيا. وهي الأعلى في العالم بارتفاعٍ يبلغ 161،1 متراً و768 درجةً صعدتُها كاملةً.
بعد انقضاءِ الأسبوع حملتُ رحلي من جديد راكباً الحافلة متوجّهاً إلى روما المدينة الخالدة الجاثمة على سبع تلال.

إبريل
12/09/2008, 08:08
أتعلم
عندما ضيّق الزّمن حصاره وشدّ الوّثاق على رغبتي في القراءة
توجهت لمذكراتك
و حسبي ما قرات لأدرك معنًى آخر للقراءة
معنًى أبعد يذهب بنا الى حيث تنتقل
رجاءً لا ترسُ وتابع
.. ,, ..

قرصان الأدرياتيك
17/10/2008, 04:11
أتعلم


عندما ضيّق الزّمن حصاره وشدّ الوّثاق على رغبتي في القراءة
توجهت لمذكراتك
و حسبي ما قرات لأدرك معنًى آخر للقراءة
معنًى أبعد يذهب بنا الى حيث تنتقل
رجاءً لا ترسُ وتابع
.. ,, ..

رنا العزيزة...
كلماتي التي قد تُكتب لهي عاجزة عن أن تفيك، بعدَ طول فراق، حقَّك!
اليومَ والبارحة وما قبل ذلك كنتُ تائهاً بين آلام دنياي ولم أستطع أن أشملَ نفسي بعطفي السّابق.
أرجوكِ غضّي الطّرف عن هذا الجواب فالسّاعات تثقلُ قلبي بأثقالٍ أركعُ تحتها وتبلغ بي حدَّ الجوع!
لا يُمكن لقرصانٍ مثلي تعيس مشرّد موجوع أن يرسو...
إذ لا يوجدُ ميناءٌ يقبلُ به.
أعدُك بالمزيد حالما أسترجع القليلَ من الكثير الذي خسرتُ.

قرصان الأدرياتيك
17/10/2008, 18:51
الخميس 14 تشرين الأوّل 2004
روما

ها قَدْ صرتُ في روما المدينة الخالدة ويومي هذا فيها هو الحادي والستّون! تمضي السّاعات وتفرُّ الأيّام فرار طائرٍ أسير من غربة قفصٍ باردْ. أعدتُ الكتابةَ مرّتين، واحدة في مطلعِ هذا النّهار والثّانية عندَ أقدامِه الآن. أمرُ الدّراسة صعبٌ في وطنٍ ليس بوطني، ولغة ليست لغتي، وغربةٌ قتّالة تفتُك بجسدي طوال شهرين، كضارٍ جاثمٍ على فريسته يمزّق بقايا اللحمَ ويتركها رفاتاً قليلا. ليس في جيبي إلا القليل القليل، بضع قطعٍ نقديّة معدنيّة تبلغُ 7 إِوْرو و67 سنتاً تمكّنني من الحصول على وجبة ونصف في مطاعم المَكْدونالدز الشّهيرة! غداً سيصلُ صديقي من بلدتي مُحَمَّلاً بوصيّتي الأخيرة التي تركتُها على الهاتف عندما جمعني بأمّي الحبيبة. سيحملُ لي كتباً وطعاماً ونقودا!
حصلتُ على هذه الغرفة الصّغيرة، التي لا تسعُ غريباً مثلي، في مبنىً كبير يقع في شارعِ بوتشيا الطّويل الرّازح تحت وطأة الغرباء! السّماءُ في الخارج تعصفُ بي وبكلِّ ما تحتها، والبرقُ يسبقُ الرَّعدَ هابطاً على الأرضِ بعنفوانٍ يمزّقه صوتُه الآتي من بعيد. وحُبيبات المطر تنهمرُ من عيون السّحبِ حزناً على فراقِ الصّيفِ وألوان الحياة والأوراق والثّمار وابتسامات لا تُعدّ ولا تُحصى.

yass
17/10/2008, 23:52
متابع.. بصمت...

صمت الإعجاب... صمت الاحترام



مودتي

:akh:

VivaSyria
18/10/2008, 00:10
كلماتك تشعرني أن حياتنا رواية تستحق أن تكتب... لكن من أين لنا أن نعيش حياتنا كما تعيشها أنت ... حتى التفاصيل القاتمه يلونها قلمك بألوان قوس قزح...

كما عودتنا... تميز وتجدد لاينتهي.

قرصان الأدرياتيك
20/10/2008, 03:39
متابع.. بصمت...
صمت الإعجاب... صمت الاحترام
مودتي :akh:تكفيني المتابعة يا صديقي، إذ ليسَ أعزّ على النّفس مشاطرةَ الرّفيق آلامَها وأفراحَها المكتوبة فوق سطورٍ وأوراقٍ خفيّة!
فأمّا احترامك فإجلالٌ لها يفوقُ ما فيها من ثمن :D.

كلماتك تشعرني أن حياتنا رواية تستحق أن تكتب... لكن من أين لنا أن نعيش حياتنا كما تعيشها أنت ... حتى التفاصيل القاتمه يلونها قلمك بألوان قوس قزح...
كما عودتنا... تميز وتجدد لاينتهي.نعم يا عزيزي فالحياةُ تُستحقُّ أن تُكتبَ وتسطّر بمداد القلبِ والرّوح،
وليست حياتي تختلف عن حياة الآخر في شيء، فالبائسُ لا يجدُ شيئاً يفكّ وثاقَ بؤسِه هذا، ولا الشّريد يلقى وسادةً يُتكئ إليها رأسَه عند حلول الليل!
وما روايتي إلا وقائعاً ونظرات مررتُ فيها كما تمرُّ الشّهبُ في كبد السّماء.
مرورُك يوقظُ فيَّ ما هجعَ قبلَ الأوان :D.

قرصان الأدرياتيك
20/10/2008, 03:42
الثلاثاء 11 كانون الثّاني 2005
روما

هذا هو يومُ المخاضِ والولادة... لا أعلمُ إن كنتُ سأنجبُ قرداً أم خنزيراً أم غزالا!!!
جلستُ إلى طاولتي وحملتُ يدي بحملِها، أسايرُ نفسيَ وجسدي بما تبقّى لهما من ميلٍ إلى الجلوسِ والكتابة، إلى المطالعة والغرف بملعقة العقل وما يعلقُ بها من شجونِ الكتبِ والأوراق! لا أعلمُ في الحقيقة ما الذي جمعَ طاولتي والنّافذة اليتيمة في غرفتي الصّغيرة، لأطلّ منها كلّ ما عنَّ لي ذلك، فأجد أشجاراً خريفيّة تخلعُ عنها أرديتها، تحيطُ بي وبغرفتي اللعينة بكآبتها وحزنها، دون ثمرٍ أو ورقٍ، لتحيلَ عالمي إلى خريف من الكآبة لا ينتهي.
يُسائلني الأصدقاءُ: وأينَ الرّوح منك؟ أجيبهم وفي صوتي غصّة من جواب: لم يتبقَّ لي منها شيءٌ! يقولون: وأينَ إيمانُك؟ وعلامَ إذاً وجودك في مثل هذا الوجود؟ أجيبُ: ليست الكآبةُ والآلام سوى ركنين من أركان مركبي طافَ بهما إيماني ولم يعدْ. فأمّا الوجودُ فهو ثيابُ الملك التي ألبسنيها الربُّ الإله، وهل من المعقولِ أن يرفضَ شقيٌّ مثلي تقدمةَ الملوك؟! ولو فعلتُ لكنتُ جاحداً فوقَ جحودي الأليم.
لا تسألوني أيّها الرّفاق فما عندي صوتٌ يجيب ولا حيلٌ يردُّ على الأقوال... وإن زدتُ في الكلام حسبتُ نفسي فريسيّاً لا يفقه إلا في أقوالِ الكتبة، ولا يتبعُ من الخطى إلا آثارَ الصدّوقيّين، قريباً من تثعلبِ هيرودسَ، بعيداً عن الزّانية ولصّ اليمين!

وشم الجمال
20/10/2008, 10:01
آلمتني يا صديقي,,,,,

أسلوبكـ رائع جدا ويثير في النفس إنسانيتها ,,,,

ودي لكـ

قرصان الأدرياتيك
22/10/2008, 18:52
آلمتني يا صديقي,,,,,


أسلوبكـ رائع جدا ويثير في النفس إنسانيتها ,,,,

ودي لكـ

لا تخلو أيُّ حياةٍ من الألمِ، وهو في الحقيقة مشاركةٌ، مُرسَلٌ من ذاتٍ إلى أخرى!
شكرٌ وعرفان لأنّك مررتِ بأيّامي ولياليّ وشعرتِ بعاطفةٍ طيّبة تجاه من كان فيها!

الجُمعة 10 حزيران 2005
أمستردام
اضطرابي قبل السّفر له مذاقٌ متميّز! يلهبُ قلبي بنيرانِ المعرفة والتجربة المجهولة، فأبقى أحدّقُ بعينين لا تريان شيئاً ممـّا هو آت. كنتُ على موعدٍ هذا المساء مع رحلةٍ تمتدُّ بين روما والعاصمة الهولنديّة على متنِ طائرةٍ من أسطول KLM. بعدَ الغداء زارني أحدُ الأصدقاء ومضى يشكي لي ويبعثُ بهمومِه المطويّة ولواعج قلبِه الكسير في غربةٍ لا شيء يفكّ قيودها سوى الصّبر والاحتمال! حدّثني عن رغبته في زيارة أهلِه وبلدِه إلا أنَّ فقرَ الحال يمنعه عن هذا الحنين.
في الرّابعة والنّصف عصراً غادرتُ المنزلَ وعبر الحافلة فمترو الأنفاق فالمحطّة الرئيسيّة تيرميني في روما فالقطار بلغتُ مطار ليوناردو دا فينتشي الدّوليّ. ومن هناك حملتنا ذاتُ الجناحين في الثّامنة لتحلّقَ في جوٍّ مليءٍ بالسّحبِ والآمال! بعدَ ساعةٍ برزتْ من الأرضِ جبالُ الألبِ بشموخِها وأنفتها، ترتدي ثلوجَ الوداع، وترتفعُ رؤوسُها إلى ما فوق الغيوم متوَّجةً بالأبيض وكأنّها ترفضُ استقبالَ الصّيفِ وتعلنُ عن أمدِ الشّتاء الطّويل. كم كانَ مشهداً يأسرُ الألبابَ والأبصار، وما كنتُ أحسبني أحيا لتلقى عينايَ جمالاً يسبحُ بين السُّحبِ ويُحدّثُ بمجدِ الخالقِ وآثارِ ريشته فوق الثّرى. وبعدَ قليلٍ واجهتنا الشّمسُ محمرّةً من شدّة النّعاس، تريد أن تشيح بوجهها لتضعَه على وسادة الغروب. كانت المرّة الأولى في حياتي أن أرى شمساً عندَ المساء! كم تحملُ لنا الحياةُ من أشياء وأشياء!
بجانبي جلستْ امرأةٌ جميلةٌ يختلطُ حسنَها بين الشّرقِ والغرب، وطوال الرّحلة مكثنا صامتَين، يغيبُ كلٌّ منّا في أفكارِه وأحلام يقظته، ولا يرضى أن يكسرَ الصّمتَ أو يطأ عتبةَ الآخر بكلمةٍ أو حرفٍ صغير! كنتُ حينها أعبثُ بدفتري هذا وأخطّ فيه سطوراً، آنَ لها اليومَ أن ترى النّورَ، وأقلّب أوراقي وقصاصاتي، ومن بينها جواز سفري الذي يتربّع في وسطِه نسرٌ ذهبيٌّ يقول: "هنا سورية". ما أن لمحته تلك السيّدة حتّى ابتسمت والتفتت إليّ وقالت: أنتَ إذاً تتكلّمُ العربيّة! فقلتُ: نعم... أنا من سورية. وأنتِ؟ قالتْ: والدي حلبيٌّ سوريّ ووالدتي هولنديّة، وأنا متزوّجة من سعوديٍّ ولي منه طفلان. أخذنا الحديثُ فأكلَ بقيّة وقت الرّحلة وعلمتُ منها أنّها تقيمُ مع زوجها وطفليها في الإمارات لأنَّها اشترطتْ قبلَ الزواج أن تعمّدَ أولادها ووافقَ السعوديُّ محبّةً فيها، ولهذا، كما أخبرتني، صعبٌ عليهما أن يبقيا في المملكة. يا لهذه المفارقات... !!! قالتْ لي: إنَّ أخاها سوفَ يأتي لاصطحابِها إلى بلدةٍ قريبة من العاصمة حيث مسكنه، والوقتُ متأخّر، وإنْ أحببتُ مكثتُ عندَهم هذه الليلة، وفي الصّباح ذهبتُ إلى عملي وشؤوني! اعتذرتُ بأدبٍ وشكرتُها كثيراً وأخبرتُها بأنّي راحلٌ إلى بلدةٍ تبعدُ ثلاث ساعات عن أمستردام ومن المفضَّل أن أسافرَ على الفور. وبعدَ هبوطِ الطّائرة وقفتُ أنتظرُ حقيبتي بينما رحلتْ! ومن بعيد ومن خلف الزّجاج الفاصل بين قاعة الحقائب والتفتيش وبين قاعة المسافرين لمحتُها تلوّح بذراعَيها وفي كفّها بطاقةٌ صفراء. اقتربتُ منها فأعطتني تذكرةً للقطار الذي سيحملني إلى تلك البلدة وأخبرتني عن الموعد وكيفَ الوصول إلى المكان! تلك اللحظات أغلقتْ عليَّ الكلماتُ الأبوابَ وأوصدتْ فمي فتركتُ عينيَّ يشكرانها وهذه الطّيبة والسّخاء اللذين أغدقتهما عليّ دون منّةٍ أو حساب! من تحت الزّجاج وعبر الشقّ الصّغير أعطيتها الثّمنَ وعدتُ لأحملَ حقيبتي وأسافرُ من جديد إلى بلدةٍ لا أعرفُ شيئاً عنها ومنها إلا اسمَها ومحلّها!

أتركُكم وفيروزي تشدو أنغامَ عاشقٍ أضناهُ الهوى فباحَ بما ليس يبوح:

لو كانَ قلبي معي ما اخترتُ غيركمُ
ولا رضيتُ سواكم في الهوى بدلا!
لـكنّهُ راغـبٌ في مـن يُـعذّبهُ
وليسَ يـقبلُ لا لـوماً ولا عذلا.

يا مَنْ حوى وردَ الرّياضِ بِخدّهِ
وحاكى قضيبَ الخيزرانِ بقَـدِّه
دعْ عنكَ ذا السَّيف الذي جرَّدْتَهُ
عيناكَ أَمضى من مَضاربِ حَدِّه
كلُّ السّيوفِ قـواطعٌ إنْ جُرِّدَتْ
وحُسامُ لـحظِكَ قاطعٌ في غِمدِه
إِنْ شئتَ تقـتلُني فأنتَ مُـحكَّمٌ
من ذا يُطالبُ سـيداً في عَبـدِه.

قرصان الأدرياتيك
07/11/2008, 13:54
مساء الأحد 27 تموز 2008 (القاهرة)
النيلُ الإفريقيّ

قرّرنا الخروجَ هذا المساء ونبذ اعتزالنا المنزليّ، فطرحَ صديقي مشروعَ العشاء على الطاولة وتلقّفته أيادينا وأعملنا فيه المشاورة بين أن نتعشّى هنا ونخرج أم نتاوله خلال الطّريق. رجّحت الأصوات عشاءَ الطّريق، فاستعجلنا الترتيب والتوضيبَ وهرعنا إلى الخارج كطيرٍ أقامَ في قفصٍ أعواماً طوال وبصر البابَ مفتوحاً! بالقربِ من حيّنا الغمراويّ دخلنا مطعم "كوك دور" الذي اشتهرَ في مصر بوجباته السّريعة، وطلبنا صندويتشاً، وكانت حصّتي واحدة محشيّة بصدرِ دجاجٍ مشويّ. حملنا هذا الغداء وبلغنا به كورنيش النّيل حيث اقتربَ منّا أصحابُ المراكب يعرضونها علينا. بعدَ أخذٍ وردٍّ اتّفقنا مع واحدٍ منهم على استئجار مركبه بمئة جنيهٍ لمدّة ساعتين، وهي المدّة المسموح بها لبقاءِ مراكبِ الأجرة في النّيل بشكلٍ متواصل بحسب القوانين السّائدة.

لم أشهدْ نهراً عريضاً مخيفاً كما شهدتُه ذاك المساء. كان عريضاً كتنّين فغر فاه لابتلاع الفرسان الذين يسعون إلى امتطاء أذيالِه الطّويلة السوداء الدّاكنة بغير قرار. كان نهراً عميقاً يبعثُ الرّهبةَ في نفوس ركّابه، كغورٍ لا يشبع من ابتلاع الأشياء! هكذا كان نيل مصر العظيم... بدأ المركبُ الطّويلُ يشقُّ العبابَ الخجول لقلّة الرّياح، وأصوات السّامرين فوق الكوبري والأضواء المنبعثة من المراكب أضفتْ على مشهدنا جواً مصرياً بلدياً مليئاً بالرَّوح والرّاحةِ والرّيحان. ريّسُ مطيّتنا رفعَ صوت المسجّل فارتفعَ الصّخبُ ينادي بالأغاني البلديّة وسمعتُ مطرباً لا يُطربُ يقول: "عَمّال تِغلَط في النّاس ليه، خُدلَك كرسيّ واقعد عليه". ولذلك حملتُ وسادة ورميتها عند مقدّم المركب الحديديّ وجلستُ مع البقيّة أتأمّل في كلّ شيءٍ: السّماء والنّيل الدّاكن والأبنية الشّاهقة المضاءة والمراكب الصّاخبة المارّة بالقرب منّا وأحاديث الأصدقاء... نسيتُ في غمرة ذاك الجمال نفسي ومتاعبي ومشاغلي وتمنّيتُ البقاء في ذاك المكان بلا انتهاء!

ارتفعت الفنادق الضّخمة تضيء عتمة الأمواج الهادئة، وتحدّث عن السّياحة في العاصمة المصريّة وكثرتها، فهذا هو الهيلتون وذاك الشيراتون فالفصول الأربعة الذي فاجأني بوجوده في هذا المكان، إذ يُعتبر من النّزل القليلة في العالم بنجومه السّبعة التي تزيّن صدره. وعلى بعدٍ منّا برز برجان مرتفعان متّصلان أخبرني صديقي أنّهما يعودان إلى ملكيّة نجيب ساويريوس أغنى أغنياء مصر. كنّا نجتاز الكباري الإسمنتيّة الضّخمة الرابطة بين القاهرة المنفصلة على يدِ الجزّار الإفريقيّ الغارس مديته في قلب ضحيّته المسكونة.

انتهت السّاعتان على عجلٍ كأنّهما برقٌ لمع وخفتَ وبقي نورُ شرارتِه منعكساً في عيون النّاظرين. وآلمني أن نعودَ بهذه السّرعة. نزلنا جميعُنا وكنتُ آخر الرّاحلين، نفحتُ الكابتن (الريّس) ما تبقّى من "الفكّة" وتلك السيجارة الوحيدة التي صمدتْ في علبتي حتّى المساءْ.
في المنزلِ جلستُ أمام رفيقَ دربي الإلكتروني لأخطَّ هذه السّطور وأحدّث عن النيلِ واهب الحياة والجمال والاستمرار. هذه هي مصر هبة النيل كما وصفها نابليون. عند الواحدة توقّفتُ عن الكتابة وجلستُ أمام التلفاز أرقبُ لميسَ وهي تسمعُ قصّة تيم عبّاس كما هو على حقيقته :p!

اسبيرانزا
07/11/2008, 16:48
عاجل من وزارة السياحة

ضرورى الك مرتب عنا لترويجك للسياحة المصرية

عاجل من شركة موبينيل

استولينا على مرتبك من وزارة السياحة لانك فتحت عيون الفقراء الحاقدة على ثروات ولىّ النعم سويرس

عاجل منى انا

قلى كيف بيستولى شخص طيب على كل هذه الروعة ؟



بالقربِ من حيّنا الغمراويّ !:o

قرصان الأدرياتيك
11/11/2008, 15:16
عاجل من وزارة السياحة
ضرورى الك مرتب عنا لترويجك للسياحة المصرية
ترويجي مجّاني مدفوع سلفاً من قبل أناسٍ طيّبين من مثلِك يا جميلتي!

عاجل من شركة موبينيل
استولينا على مرتبك من وزارة السياحة لانك فتحت عيون الفقراء الحاقدة على ثروات ولىّ النعم سويرس
في الحقيقة الأنظمة والمؤسّسات استولتْ على كلّ شيء عندي وعند الآخرين، فلا مانعَ من أخذ تلك الرواتب الهزيلة!

عاجل منى انا
قلى كيف بيستولى شخص طيب على كل هذه الروعة ؟
أنت أجمل ما قيل على صفحةٍ لا بل أنتِ صفحات كتابٍ خطّه الإله في عالمِ مصرَ الجميل!

لم أفهم المرمى فهلا أعدتِ القول بغير شكلٍ وسبك؟!

وأخبريني قبل أن تعرّجي على صياغة تلك الجملة ما الذي دفعك إلى تلك المفاجأة أمام ذاك الحيّ الصّغير في غمرة؟! :p.

تحيّتي :D.

الصمت الناطق
11/11/2008, 16:42
في هذا الزمن الذي أخصصه لأقرأ ماتكتبه هنا أصيغه بصيغة تشوق وتطلع وسعي للمكان والزمان الذي تبدع فيهما ...
هناك صلة محسوسة لتتفرد في لحظة وجد بكل اندفاعات الروح
لتؤطر اللحظة الزمكانية
لنستحضر معك الرائحة كما الصوت .. من خلال مفرادتك ..

قرصان .. أكيد قرصان اتابعك .

i m sam
11/11/2008, 18:19
شكرا على الرحلات الجميلة
بالفعل كلماتك وطريقة سردك جعلتني اشعر بنفسي اجلس بجانبك واسير معك حتى أنني أعطيت الريس من علبة سجائري أيضا
أغبط قدرتك في الكتابة وأتمنى لك التوفيق يا صديقي

قرصان الأدرياتيك
13/11/2008, 13:59
في هذا الزمن الذي أخصصه لأقرأ ماتكتبه هنا أصيغه بصيغة تشوق وتطلع وسعي للمكان والزمان الذي تبدع فيهما ...
هناك صلة محسوسة لتتفرد في لحظة وجد بكل اندفاعات الروح
لتؤطر اللحظة الزمكانية
لنستحضر معك الرائحة كما الصوت .. من خلال مفرادتك ..

قرصان .. أكيد قرصان اتابعك .

قراءتك لي تكفيني ومتابعتك لصفحات اليوميّات هذه تملأ جسدي وقوداً ليكتبَ من جديد.
قطعتك الفنية أعلاه دلالة على حسّ قارئٍ مرهف وعلى صفحةٍ من فكرٍ سليم.

محبّتي :D.

قرصان الأدرياتيك
13/11/2008, 14:19
شكرا على الرحلات الجميلة
بالفعل كلماتك وطريقة سردك جعلتني اشعر بنفسي اجلس بجانبك واسير معك حتى أنني أعطيت الريس من علبة سجائري أيضا
أغبط قدرتك في الكتابة وأتمنى لك التوفيق يا صديقي
وأنا أشكرُك أيضاً على رحلتك التي قادتك إلى هذا المكان.
شكراً لتشجيعك يا صديقي وأتمنى لك بالمقابل كلَّ توفيق وسلام :D.

msabri
13/11/2008, 14:53
عزومه مع البدو فى سيناء:
أكلوهم لحم شهى ياريتهم ماأكلوه
سألنا قالو لحم جمل ف الدهن حمروه
قلب بطونهم والكل ع الخلا جري ياهوه
إللى لقا الخلا يابخته والباقى مالحقوه
وبعد الصلا كل من صلا معاهم إتهموه
حتى الريح ف الصلا ماقدرو يحبسوه
تحياتي msabri

ربيع الأحزان
13/11/2008, 18:39
مساء الأحد 27 تموز 2008 (القاهرة)
النيلُ الإفريقيّ



لم أشهدْ نهراً عريضاً مخيفاً كما شهدتُه ذاك المساء. كان عريضاً كتنّين فغر فاه لابتلاع الفرسان الذين يسعون إلى امتطاء أذيالِه الطّويلة السوداء الدّاكنة بغير قرار. كان نهراً عميقاً يبعثُ الرّهبةَ في نفوس ركّابه، كغورٍ لا يشبع من ابتلاع الأشياء! هكذا كان نيل مصر العظيم... بدأ المركبُ الطّويلُ يشقُّ العبابَ الخجول لقلّة الرّياح، وأصوات السّامرين فوق الكوبري والأضواء المنبعثة من المراكب أضفتْ على مشهدنا جواً مصرياً بلدياً مليئاً بالرَّوح والرّاحةِ والرّيحان. ريّسُ مطيّتنا رفعَ صوت المسجّل فارتفعَ الصّخبُ ينادي بالأغاني البلديّة وسمعتُ مطرباً لا يُطربُ يقول: "عَمّال تِغلَط في النّاس ليه، خُدلَك كرسيّ واقعد عليه". ولذلك حملتُ وسادة ورميتها عند مقدّم المركب الحديديّ وجلستُ مع البقيّة أتأمّل في كلّ شيءٍ: السّماء والنّيل الدّاكن والأبنية الشّاهقة المضاءة والمراكب الصّاخبة المارّة بالقرب منّا وأحاديث الأصدقاء... نسيتُ في غمرة ذاك الجمال نفسي ومتاعبي ومشاغلي وتمنّيتُ البقاء في ذاك المكان بلا انتهاء!

!

وأنت تروى أحداث يومك تأخذنا بسلاسة الى أماكن ذكرياتنا
فنشعر نفس الفرحة ونحن على المركب
ونفس الجمال ونحن ننظر للسماء وأمامنا صفحة النتيل العريض
ونحن نسكن أحضانه
تشعرنا بفس الألم عند إنتهاء الوقت وحان موعد الرحيل
ونفس الأمنيه بأن نعيش تلك السعاده بلا إنتهاء
وأن تتوقف كل الساعات عن العمل

أسلوبك الرائع جدا
أخذنى معك فى رحلتك
وأعادنى الى رحلتى مع أصدقائى
ليس نفس المكان
لكن النيل فى بلدى أعرض
وحضنه أرحب وجملا جدا حقا



نتابع بخشوع لنستمتع أكثر

أختك الربيع:D

قرصان الأدرياتيك
25/11/2008, 12:52
عزومه مع البدو فى سيناء:
أكلوهم لحم شهى ياريتهم ماأكلوه
سألنا قالو لحم جمل ف الدهن حمروه
قلب بطونهم والكل ع الخلا جري ياهوه
إللى لقا الخلا يابخته والباقى مالحقوه
وبعد الصلا كل من صلا معاهم إتهموه
حتى الريح ف الصلا ماقدرو يحبسوه
تحياتي msabri
أهلاً بمرورِك بين دفّات حياتي ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

وأنت تروى أحداث يومك تأخذنا بسلاسة الى أماكن ذكرياتنا
فنشعر نفس الفرحة ونحن على المركب
ونفس الجمال ونحن ننظر للسماء وأمامنا صفحة النتيل العريض
ونحن نسكن أحضانه
تشعرنا بفس الألم عند إنتهاء الوقت وحان موعد الرحيل
ونفس الأمنيه بأن نعيش تلك السعاده بلا إنتهاء
وأن تتوقف كل الساعات عن العمل
أسلوبك الرائع جدا
أخذنى معك فى رحلتك
وأعادنى الى رحلتى مع أصدقائى
ليس نفس المكان
لكن النيل فى بلدى أعرض
وحضنه أرحب وجملا جدا حقا
نتابع بخشوع لنستمتع أكثر
أختك الربيع:D
عزيزتي ربيع الأفراحِ القادم
إن التقت الذكرياتُ ففي هذا ملقى القلوب! وإن طافت بنا كلمةٌ وحملتنا معها إلى أيّامٍ مرّت في كتابِ الحياة، فهذا لأنّها وقعتْ على أسماعِنا وأذهاننا مثلما تقعُ الفراشةُ فوق الزّهور... ولا بُدَّ حينها من أن نرشفَ الرّحيق!
صرتِ اليومَ عندي ربيعَ مصرَ وجمالَها :D.

msabri
11/12/2008, 16:41
الإنسان مخترع عظيم يخترع الأشياء ويعمل لها خط إنتاج فمثلا صناعة الكؤوس يصنعها الإنسان منها الطويل ومنها القصير ويصنعها ملونة الأحمر والأبيض والأصفر والأسود وللأكواب عمرها الإفتراضى تكسر ويعاد تصنيعها بأشكال و ألوان أخرى - والإنسان المخترع يطلب لإختراعه براءة الإختراع فلا يتطاول عليه أحد وينسب لنفسه أحقية الإختراع وقد يطلق المخترع على الإختراع إسمه كحق من حقوقه والناس تؤمن بذلك بل وتؤمنه .
وأعظم المخترعين على الإطلاق هو الله إخترع الإنسان فجعل له خط إنتاج فى قرار مكين وجعل منه الطويل والقصير ولون بشرته فمنه الأحمر والأبيض والأصفر والأسود كذلك جعل له عمر إفتراضى فيموت ويعاد إلى التراب ثم يعاد التصنيع لأشكال وألوان أخرى وبعض البشر ماقدوا الله حق قدره فنسبوا هذا الإختراع العظيم لغيره من الإختراعات الأخرى كالشمس والنجوم والبشر ليتهم يتفكروا ويعطوا كل ذى حق حقه تبارك الله أحسن الخالقين .
مع تحيات
MSABRI

قرصان الأدرياتيك
11/12/2008, 21:48
الإنسان مخترع عظيم يخترع الأشياء ويعمل لها خط إنتاج فمثلا صناعة الكؤوس يصنعها الإنسان منها الطويل ومنها القصير ويصنعها ملونة الأحمر والأبيض والأصفر والأسود وللأكواب عمرها الإفتراضى تكسر ويعاد تصنيعها بأشكال و ألوان أخرى - والإنسان المخترع يطلب لإختراعه براءة الإختراع فلا يتطاول عليه أحد وينسب لنفسه أحقية الإختراع وقد يطلق المخترع على الإختراع إسمه كحق من حقوقه والناس تؤمن بذلك بل وتؤمنه .
وأعظم المخترعين على الإطلاق هو الله إخترع الإنسان فجعل له خط إنتاج فى قرار مكين وجعل منه الطويل والقصير ولون بشرته فمنه الأحمر والأبيض والأصفر والأسود كذلك جعل له عمر إفتراضى فيموت ويعاد إلى التراب ثم يعاد التصنيع لأشكال وألوان أخرى وبعض البشر ماقدوا الله حق قدره فنسبوا هذا الإختراع العظيم لغيره من الإختراعات الأخرى كالشمس والنجوم والبشر ليتهم يتفكروا ويعطوا كل ذى حق حقه تبارك الله أحسن الخالقين .
مع تحيات
MSABRI
برغم أني ما فهمت شو الهدف من كتابة هالردّ بس أكيد الله من أحلى المبدعين... بس يا ريت البشر يقدروا يوَصْلوا حقيقتو بدون رتوش وشرائع!
:D.

قرصان الأدرياتيك
24/12/2008, 23:31
السّبت 23 تمّوز 2005 (جويوزا ماريا- صقلّيّة)

الخطيئة!
كنتُ هذا الصّباح عبداً من عبيدِ الخطيئة، من فصيلة الزّناة! كنتُ كتلك العروس التي استبدلتْ عروسَها الأمين بزناة الليلِ الفاسقين، متوهّمةً أنّها تحصل على حياةِ زيتٍ وخبزٍ وخمر! لو ما كنتم تعرفون لما كانتْ عليكم خطيئة، لكنّكم تعرفون فخطيئتكم ثابتة. وهكذا مضت هذه الكلمات تطلقُ في فكري سهامها من كنانةٍ فيها من أصنافِ السّهام ما لا يُحصى ويُعدّ.

كنتُ أعلمُ أينَ الحقيقة وفي أيّ دربٍ تكون، لكنّي مضيتُ مصراً في دربِ الخيانةِ دون كللٍ أو ملل. ماذا أقولُ بعدُ وبأيّ لسانٍ أمدحُك يا ربَّ الأكوانِ وعروسَ البشرِ الأبديّ. صرتُ مثل شعبِ إسرائيلَ الزّاني الباحثِ عن الحقيقة خارجاً عنكَ، السّاعي في أثرِ حروفِ الموتِ، بينما يغفل عن رؤيتك أنت الحقيقة في ذاتها. لا يسعُ المكانَ حزني ولا ينفعُ فيه أسفي، فليتمزّق إذاً قلبي الصّغير هذا المملوء من أوهام العالم المنجذب إلى الأباطيل، وليذهب إلى الجحيم.

أعدني إليكَ يا ختنَ الأزلِ والأبدِ، أدخلني خدرَك الدّافئ، وأعنّي كي لا أدنّسه من جديد. اطبع في قلبي ختمَ حبّك ختماً أبدياً لا يُمحى، واجعل من العابرين المُبصرين يعرفونَك فيَّ، ويعرفون أنّني لك وحدَك دون شريك. انحت في صخرِ فكري اسمَك، ونمّي في تربةِ قلبي بذورَك، واستأصل منها زؤان الخطايا التي استعبدتني.

ساعدني على التأمّل في كلمتِك، لأنّها الوحيدة القادرة بسلطانٍ على تغييرِ القلوب. هي ذي أمثالُك ورموزُك تكلّمني بلغةٍ يعرفها الحاذقون، هو ذا صليبُك مزروعاً أمام ناظريَّ يقصُّ عليَّ رواية خلاصٍ معدٍّ منذ أقدم الأزمان، ها أنتَ تبسطُ على دفّتيه جناحيك محلّقاً في عالم الأموات باعثاً الإنسانَ من أرضِ الرّقاد. ها أنتَ تحملُه كسيفٍ بتّارٍ ذي نصلٍ لا يخيب، تقطعُ به رأسَ الموتِ وتهدُّ مدامك مملكته وتجعلُ منها غباراً تذرّه رياحُ البعثِ والغَلَبة.

قدني يا ربُّ إلى حدائقك، وعلّمني أن أحطّ على أزهارها مثلَ فراشةٍ مستنيرةٍ، لا مثل تلك الكسولة التي أفاقتْ بعدَ الغروب فضلّتِ الطّريقَ وحلَّ الظلامُ وبحثتْ عبثاً عن حدائقِ الحقِّ ولم تجد غير أنوار الأباطيل، فدارت حولَها وبقيتْ تدورُ حتى سقطتْ صريعةَ الوهمِ عندَ الصّباح. بل قدني بنفسِك وضعني براحتيك على زهرِ ملكوتِك لأرشفَ منه بقربِك رحيقاً حلواً عذباً لا يفنى ولا يزول.

فأمّا شركائي الذين خنتُ فهبهم قلوباً حليمة تسعفني في لحظاتِ ضعفي بغفرانٍ يعزّز من رجائي ويُبعد عني أشباحَ اليأسِ؛ وأفض عليهم مزيداً من الحبِّ ليملأوا فراغَ ما أنقصتُه بخيانتي، ودلّهم إلى بابِ الرّحمةِ بين أبوابِ الفضائل، واجعل منّي ومنهم شجرةً تسكنُها الوحدة والأمانة ولا تثمر إلا الخير والصّلاح.