x52
08/07/2008, 12:07
اين نحن...اين انا...
.......بعد شبه غفوة أفتح عيناي الشبه مغمضتان. فوجدت نفسي محشوراً بين جموع الناس. أمواج بشرية تتحرّك يمنة ويسرة، تتقاذفني هنا وهناك. صرت أحرّك يداي أحاول السباحة إذ ظننت للحظات أنني في عرض البحر.. كلا هذا ليس بحراً.. ولا حتى مسبحاً..!
أين أنا يا ترى؟!
ربما نكون في مسيرة شعبية (عفوية كالعادة) من أجل انتخابات مجلس الشعب أو حتى الاستفتاء أو حتى من أجل ختان نجل الرئيس الجديد.. بدأت عندها بالهتاف - بشكل لا إرادي طبعاً-: بالروح.. بالدم.. وهكذا.. إلى أن رمقني أحدهم بنظرة خفت منها كثيراً فصمتُّ إذ لم يكن هناك صوت بشري آخر إلا صوتي في الجوار.. أواه لسنا في مسيرة إذاً..
هناك أزيز يشبه أزيز الطائرات.. وصوتٌ هائل غير بشري بكل تأكيد يعربد ويزمجر.. كميركافا روسية ثقيلة، وبين الفينة والأخرى صوت بوق ضخم، أشبه ما يكون بمحرك طائرة نفاثة تبعد عني عشرة سنتميترات، أو قنبلة من مدفع نمساوي.. ترى ما الذي يحدث..!!!
تزداد الأمواج البشرية ويزداد الضغط على جسدي النحيل.. تباً هذه هي المرة الثانية التي أكره فيها قِصر قامتي بين هذه الجموع التي لا تكفّ عن الضغط على قدماي وبأوزانٍ ثقيلة.. المرة الأولى كانت عندما حاولت في إحدى المرات تقبيل صديقتي فكانت أطول مني فاستحييت أن أقدم على هذه الخطوة لما فيها من عواقب تبدو وخيمة على المدى البعيد..
ما زال الضغط يزداد وتكاد روحي تُزهق من شدّة الزحام.. أتلفت يمنة ويسرة والعرق بدأ يتصبب مني في يومٍ صيفي لاهب.. وأخوتي البشر الذين هم حولي يبدو أن الفقر المدقع وسرقة أصحاب الكراسي لم يسمح لهم بشراء مزيل للرائحة.. اندمجت الروائح العطرية بعرق كالمطر يتساقط يمنة ويسرة.. أحاول أن أنظر الى الوجوه لأتعرف الى شخص ما.. لكن عبثاً فالكلّ هنا بوجوه متجهّمة متكدّرة.. حتى لم أستطع التمييز بين الذكر والأنثى والطفل والشيخ..
نعم.. ربما نحن في معركة.. والكل هنا يضرب يمنة ويسرة.. ووجهي الذي يبدو أن صاحبه لم يأكل منذ أربع سنوات قد أكل من ضرب (الأكواع) ما لذّ وطاب.. لكنني لا أستطيع أن أرفع يدي وكوعي لأرد الضرب فأنا أدفع بكلتا يدي عن صدري حتى أتنفس قليلاً من الأوكسجين.. حسناً لسنا في معركة إذاً..
ومع ازدياد الزحام والضغط.. بدأت أفقد الإحساس بنفسي، وتيقنت أنني سأموت لا محالة، بدأت أتلو كل ما أعرفه من مقدّسات بكل اللغات واللهجات التي أعرفها والمسطورة في الكتب السماوية وغير السماوية التي قرأتها.. ابتداءاً من القرآن والتوراة والإنجيل وديانات الهند والباكستان وتورا بورا.. وبوذا وزرادشت و…
أواه ربي.. أوَنكون في يوم الحشر؟!! ربما.. إذ أنني أحس أنني أموت ههنا.. عادةً يمرّ شريط ذكريات الإنسان أمام عينيه باقتراب الموت.. لكن لا شريط ولا مسلسلات ولا حتى أفلام قصيرة تمرّ أمام عيني..
تساءلت كثيراً بيني وبين نفسي.. هل سأموت هكذا؟ (فعساً) و(دعساً)؟!! ليست هذه النهاية التي حلمت بها.. ليتني سمعت كلام شيخ الجمعة وهو يدعوني إلى تفجير نفسي في وسط سوق ما.. لقتل بعض العملاء على الأقل.. أو ليتني قمت بعملية استشهادية في مكان ما.. وليت أحدهم اغتالني في لبنان لتصدّرت الصحف.. أو حتى على الأقل كنت متُّ من أنفلونزا الطيور وأدرجت اسمي في سجلّ الأموات العالمي بهذا الداء.. بل ربما متُّ في إحدى سجون بلادي لرفعت مرتزقة المعارضة اسمي وأقامت لي ضريحاً محاولةً إلصاقي بهم.. أو أي طريقة أخرى..
لكن.. هذه طريقة بشعة للموت لا عبرة فيها ولا هدف..!! مجرّد فعس ودعس وموت..
بَنَفس شبه منقطع رفعت رأسي للمرة الأخيرة أسأل الشخص المجاور: أين أنا؟! فيرد قائلاً بغضب: في جهنم.. ثم يذيلها بجملة (تضرب بهالرَّاس)!!
عند ذلك خارت قواي.. وتيقنت أني ميت لا محالة…
وشيئاً فشيئاً ضعفت قدماي وصرت أسقط وأنفاسي تخف تدريجياً.. وأنا أتمتم:
أين أنا؟!! فليقل لي أحدكم أين أنا بحق السماء؟!!
أين أنا؟!
أين أنـ…اااا
ملاحظة: على من يعرف أين (أنا) الرجاء الإجابة.
.......بعد شبه غفوة أفتح عيناي الشبه مغمضتان. فوجدت نفسي محشوراً بين جموع الناس. أمواج بشرية تتحرّك يمنة ويسرة، تتقاذفني هنا وهناك. صرت أحرّك يداي أحاول السباحة إذ ظننت للحظات أنني في عرض البحر.. كلا هذا ليس بحراً.. ولا حتى مسبحاً..!
أين أنا يا ترى؟!
ربما نكون في مسيرة شعبية (عفوية كالعادة) من أجل انتخابات مجلس الشعب أو حتى الاستفتاء أو حتى من أجل ختان نجل الرئيس الجديد.. بدأت عندها بالهتاف - بشكل لا إرادي طبعاً-: بالروح.. بالدم.. وهكذا.. إلى أن رمقني أحدهم بنظرة خفت منها كثيراً فصمتُّ إذ لم يكن هناك صوت بشري آخر إلا صوتي في الجوار.. أواه لسنا في مسيرة إذاً..
هناك أزيز يشبه أزيز الطائرات.. وصوتٌ هائل غير بشري بكل تأكيد يعربد ويزمجر.. كميركافا روسية ثقيلة، وبين الفينة والأخرى صوت بوق ضخم، أشبه ما يكون بمحرك طائرة نفاثة تبعد عني عشرة سنتميترات، أو قنبلة من مدفع نمساوي.. ترى ما الذي يحدث..!!!
تزداد الأمواج البشرية ويزداد الضغط على جسدي النحيل.. تباً هذه هي المرة الثانية التي أكره فيها قِصر قامتي بين هذه الجموع التي لا تكفّ عن الضغط على قدماي وبأوزانٍ ثقيلة.. المرة الأولى كانت عندما حاولت في إحدى المرات تقبيل صديقتي فكانت أطول مني فاستحييت أن أقدم على هذه الخطوة لما فيها من عواقب تبدو وخيمة على المدى البعيد..
ما زال الضغط يزداد وتكاد روحي تُزهق من شدّة الزحام.. أتلفت يمنة ويسرة والعرق بدأ يتصبب مني في يومٍ صيفي لاهب.. وأخوتي البشر الذين هم حولي يبدو أن الفقر المدقع وسرقة أصحاب الكراسي لم يسمح لهم بشراء مزيل للرائحة.. اندمجت الروائح العطرية بعرق كالمطر يتساقط يمنة ويسرة.. أحاول أن أنظر الى الوجوه لأتعرف الى شخص ما.. لكن عبثاً فالكلّ هنا بوجوه متجهّمة متكدّرة.. حتى لم أستطع التمييز بين الذكر والأنثى والطفل والشيخ..
نعم.. ربما نحن في معركة.. والكل هنا يضرب يمنة ويسرة.. ووجهي الذي يبدو أن صاحبه لم يأكل منذ أربع سنوات قد أكل من ضرب (الأكواع) ما لذّ وطاب.. لكنني لا أستطيع أن أرفع يدي وكوعي لأرد الضرب فأنا أدفع بكلتا يدي عن صدري حتى أتنفس قليلاً من الأوكسجين.. حسناً لسنا في معركة إذاً..
ومع ازدياد الزحام والضغط.. بدأت أفقد الإحساس بنفسي، وتيقنت أنني سأموت لا محالة، بدأت أتلو كل ما أعرفه من مقدّسات بكل اللغات واللهجات التي أعرفها والمسطورة في الكتب السماوية وغير السماوية التي قرأتها.. ابتداءاً من القرآن والتوراة والإنجيل وديانات الهند والباكستان وتورا بورا.. وبوذا وزرادشت و…
أواه ربي.. أوَنكون في يوم الحشر؟!! ربما.. إذ أنني أحس أنني أموت ههنا.. عادةً يمرّ شريط ذكريات الإنسان أمام عينيه باقتراب الموت.. لكن لا شريط ولا مسلسلات ولا حتى أفلام قصيرة تمرّ أمام عيني..
تساءلت كثيراً بيني وبين نفسي.. هل سأموت هكذا؟ (فعساً) و(دعساً)؟!! ليست هذه النهاية التي حلمت بها.. ليتني سمعت كلام شيخ الجمعة وهو يدعوني إلى تفجير نفسي في وسط سوق ما.. لقتل بعض العملاء على الأقل.. أو ليتني قمت بعملية استشهادية في مكان ما.. وليت أحدهم اغتالني في لبنان لتصدّرت الصحف.. أو حتى على الأقل كنت متُّ من أنفلونزا الطيور وأدرجت اسمي في سجلّ الأموات العالمي بهذا الداء.. بل ربما متُّ في إحدى سجون بلادي لرفعت مرتزقة المعارضة اسمي وأقامت لي ضريحاً محاولةً إلصاقي بهم.. أو أي طريقة أخرى..
لكن.. هذه طريقة بشعة للموت لا عبرة فيها ولا هدف..!! مجرّد فعس ودعس وموت..
بَنَفس شبه منقطع رفعت رأسي للمرة الأخيرة أسأل الشخص المجاور: أين أنا؟! فيرد قائلاً بغضب: في جهنم.. ثم يذيلها بجملة (تضرب بهالرَّاس)!!
عند ذلك خارت قواي.. وتيقنت أني ميت لا محالة…
وشيئاً فشيئاً ضعفت قدماي وصرت أسقط وأنفاسي تخف تدريجياً.. وأنا أتمتم:
أين أنا؟!! فليقل لي أحدكم أين أنا بحق السماء؟!!
أين أنا؟!
أين أنـ…اااا
ملاحظة: على من يعرف أين (أنا) الرجاء الإجابة.