tamouz76
27/06/2008, 20:44
“ضِمْن” الزمان، تنشأ (وتزول) الأشياء والظواهِر، فلا شيء ينشأ، أو يُوْلَد، في “وجودٍ لا وجود فيه للزمان”. و”نشوء” الشيء إنَّما هو “النتيجة المستوفية شروط وأسباب وجودها”، فليس من شيء ينشأ قَبْلَ، أو من غير، أن تتهيَّأ له “أسباب النشوء”، التي يجب أن تكون “أقْدَم” منه وجوداً. “قَبْلَ” نشوء الشيء تُسْتَجْمَع وتتهيَّأ “الأسباب”، أي أسباب نشوئه. واستجماعها وتهيؤها إنَّما يتحقَّقان في الزمان، ويَسْتَغْرِقان بعضاً منه.
و”الكون”، في نشوئه، أو ولادته، إنَّما هو شيء تهيَّأت له “من قَبْل” أسباب وعوامل وشروط “النشوء”. وما كان مُمْكِناً أن تتهيَّأ إلاَّ في “زمنٍ اسْتُنْفِد مقدارٌ منه” حتى تتهيَّأ. إنَّ “نشوء” الكون لا يُمْكِن أن يكون “ظاهِرةً غير مُسَبَّبَة”، أي لا أسباب لها، فالظاهِرة التي لا أسباب لها إنَّما هي الظاهرة التي لا وجود لها، أو المستحيلة الوجود.
“قَبْلَ” وجود الشيء تُوْجَد، ويجب أن تُوْجَد، أسباب وشروط وجوده “غير المُكْتَمِلة بَعْد”، فـ “اكتمالها (نوعاً وكمَّاً)” إنَّما هو ذاته “لحظة نشوء الشيء”.
وليس من المنطق، ولا من العِلْم، في شيء أن تقول “كان الشيء ولم يكن من شيء”. ليس من المنطق، ولا من العِلْم، في شيء أن تقول مثلاً “كانت الشمس ولم يكن من شيء”؛ ذلك لأنَّ أسباب وعوامل وشروط (وهذه جميعاً هي “أشياء”) نشوء، أو ظهور، الشمس قد كانت موجودة من قَبْل، وإنْ لم تكن مُكْتَمِلة الوجود.
وأنتَ يكفي أن تُسَلِّم بنشوء الشيء في الزمان حتى تُسَلِّم بنشوئه في المكان، أو ضِمْن المكان، فـ “متى” و”أين” تُوْجدان معاً. ولكن، ما معنى “متى”، وما معنى “أين”؟ لنبدأ الإجابة، أو بعضاً منها بـ “أين”.
إذا وَقَعَ “انفجار” فإنَّكَ تسأل “أين وَقَع؟”. كل إجابتكَ يجب أن تكون “مكانية صرف”، فـ “الانفجار” وَقَع في “هذا” الموضع، أو المكان، من الكرة الأرضية. على أنَّ هذه الإجابة (الصحيحة) لا تستوفي “الحقيقة الموضوعية”؛ ذلك لأنَّ “الانفجار” وَقَعَ في “هذا” الموضع من الكرة الأرضية عندما كان كوكب الأرض في موضع فضائي، أو كوني، محدَّد.. عندما كان (على سبيل المثال) على بُعْدٍ مُعيَّن من الشمس. إنَّ “الإجابة المكانية” تشبه “نهر هيراقليط”، فأنتَ لا تَنْزِل في مياه النهر ذاته مرَّتين؛ لأنَّ مياهه جارية، ومختلفةً بالتالي؛ و”المكان” جارٍ كـ “نهر هيراقليط”.
و”إجابتك المكانية” لا معنى لها إذا لم تَقْتَرِن بـ “إجابة زمانية”، فأنتَ ينبغي لكَ أن تضيف إلى ما قُلْت في “إجابتك المكانية” زمن الحادث، أو “الانفجار” كأن تقول إنَّ هذا الانفجار الذي وَقَع في “هذا” الموضع من الكرة الأرضية قد وَقَع (مثلاً) اليوم قبيل غروب الشمس “هنا”، أي في “هذا” الموضع”، فـ “الحادث” إنَّما يَقَع في “مكان” و”زمان” متَّحِدين اتِّحاداً لا انفصام فيه، فلا “مكان” بلا “زمان”، ولا “زمان” بلا “مكان”. و”المادة” التي لا وجود فيها لـ “الزمان” و”المكان” إنَّما هي شيء مستحيل الوجود.
“الزمان” هو خاصِّيَّة جوهرية لكل شيء، لكل مادة، لكل جسم أو جسيم. إنَّه الشيء في “حركته” و”تغيُّره”. كل اختلاف في الشيء، في حجمه، أو في مكانه وموضعه، أو في حركته وسرعته، أو في صفاته وخواصه، ولو كان في منتهى الضآلة، إنَّما يعني أنَّ هذا الشيء موجود (ويتطوَّر) في الزمان. وأنتَ لا يُمْكِنكَ تَصَوُّر أي شيء، وفهمه وتفسيره، إذا لم تَقُلْ “كان.. فأصبح..”، كأن تقول كان هذا الشيء سريعاً فأصبح بطيئاً، كان خفيفاً فأصبح ثقيلاً، كان قريباً من A فأصبح بعيداً عنها، كان صغيراً فأصبح كبيراً، كان مضيئاً فأصبح مُظْلِماً، كان متمدِّداً فأصبح متقلَّصاً، .. إلخ.
الشيء الذي لا يعتريه أي تغيير إنَّما هو الشيء الذي لا يَعْرِف الزمن؛ وهذا الشيء إنَّما هو، لجهة وجوده، المستحيل بعينه.
“الحركة (التغيُّر)” و”الزمن” إنَّما هما شيء واحد؛ ونحن نقيس “التغيُّر” بـ “الزمن”، فنقول، مثلاً، إنَّ هذا المقدار من الماء (السائل) قد تحوَّل كله إلى جليد في زمن مقداره 100 دقيقة مثلاً.. أو بَعْدَ 7200 نبضة من نبضات قلبي. لقد قِسْنا “التغيُّر” بـ “ساعة معيَّنة”، فالشيء “المستمر” و”المنتَظِم” في “حركته”، أو “تغيُّره” يَصْلُح أن يكون “ساعة” نقيس بها الزمن، أو زمن التغيُّر، فأنتَ يُمْكِنُكَ القول إنَّ حدوث هذا التغيُّر قد استغرق 1000 نبضة من نبضات قلبكَ، أو 3 دورات لكوكب الأرض حَوْل محوره، أو دورة واحدة لكوكب الأرض حَوْل الشمس، أو 3 دورات لكوكب المشتري حَوْل الشمس، أو دورتان للشمس حَوْل مَرْكَز مجرَّتنا، مجرَّة “درب التبانة”، أو مليون دورة لهذا الإلكترون حَوْلَ نواة ذرَّته، أو 10 دورات لعقرب الدقائق في ساعتكَ، .. إلخ.
“الساعة” إنَّما هي الحركة تقيس بها حركة، أو تغيُّر. ادْفَع بيدكَ كرةً على سطح طاولة فتنتقل من حال السكون إلى حال الحركة. إنَّها تتحرَّك بدءاً من الموضع A على سطح الطاولة حتى تتوقَّف تماماً عن الحركة في الموضع B منه. حركتها (أو تغيُّرها) هذه استغرقت مقداراً من الزمن، يُمْكِنكَ قياسه بـ “ساعة قَلْبكَ” مثلاً، فتتوصَّل إلى أنَّ الكرة قد توقَّفت تماماً عن الحركة إذ نبض قلبكَ 200 نبضة مثلاً. وعلى هذا النحو فحسب يُمْكننا وينبغي لنا أن نَفْهًَم “الزمن”. وهذا إنَّما هو “المُطْلَق” في معنى “الزمن”، وفي فَهْمِنا له.
على أنَّ هذا “المُطْلَق” يتَّحِد اتِّحاداً لا انفصام فيه مع نقيضه وهو “النسبي”، فـ “الزمن” نسبي في معنى ما، وينبغي لنا أنْ نفهمه على أنَّه شيء نسبي أيضاً. وقد كان آينشتاين هو أوَّل من أسَّس، فيزيائياً، وعلى نحو متماسِك، لـ “نسبية” الزمن إذ اكتشف أنَّ الزمن يتأثَّر بعاملين: “السرعة” و”الجاذبية”. إنَّه يبطؤ مع كل تزايد في سرعة الجسم، وحيث تَعْظُم الجاذبية.
في الجسم “المتسارِع”، والذي تزايدت سرعته حتى أصبح يسير (في الفضاء) بسرعة “شبه ضوئية”، أو في الجسم عظيم الكتلة، عظيم الجاذبية بالتالي، لا بدَّ لسير الزمن فيه من أن يتباطأ. وهذا التباطؤ إنَّما يعني بحسب “نسبية الزمن”، وعلى سبيل المثال، أنَّ الدقيقة الواحدة في ذلك الجسم تَعْدِل دقائق، أو ساعات، أو سنوات، أرضية.
إذا كانت المرأة الحامل تَلِدُ بَعْد تسعة أشهر من الحَمْل، وإذا سافرت امرأة حامل، وهي في اليوم الأوَّل من حَمْلِها، على متن سفينة فضائية، تسارعت حتى بلغت سرعتها 280 كيلومتر في الثانية الواحدة، فإنَّها ستَلِدُ بَعْد تسعة أشهر بحسب ساعتها؛ ولكنَّها بحسب “ساعة الأرض” قد وَلَدَت بَعْد مليون سنة (من حَمْلِها) مثلاً. ويكفي أن تعود هذه المرأة إلى الأرض حتى تُدْرِك أنَّ حَمْلَها، الذي استغرق تسعة أشهر بحسب ساعتها، قد استغرق مليون سنة بحسب الساعة الأرضية. قبل أن تعود لن يكون في مقدورها أن تُدْرِك أنَّ الزمن عندها يسير في بطء شديد.
هذا مصباح يَعْمَل بالبطارية، ولسوف يَسْتَهْلِكُ بطاريته تماما إذا ما شغَّلْتُه 10 ساعات. خُذْهُ معكَ في رحلة فضائية بمركبة تسير بسرعة 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، وشَغِّلْهُ حتى تُسْتَهْلَك بطاريته بالكامل. سترى أنَّ تلك البطارية قد اسْتُهْلِكَت بَعْد 10 ساعات بحسب ساعتكَ؛ ولكن كل ساعة من تلك الساعات كانت تَعْدِل سنوات أرضية.
و”النسبية” تشمل أيضاً “المكان”، فكل شيء في مَرْكَبَتِكَ الفضائية تلك يَصْغُر حجماً بالنسبة إلى من يراقبكَ من على سطح الأرض مثلاً؛ و”المسافة الفضائية” بين مَرْكَبَتِكَ وبين ما حَوْلها من مجرَّات ونجوم وكواكب.. تتضاءل بالنسبة إليكَ.
“الزمن”، بالتسارع وبتعاظُم الجاذبية، يتباطأ، ويَعْظُم تباطؤاً؛ ولكنَّه لن يتلاشى أبداً.. لن ينعدم أبداً. و”المكان”، بالتسارع وبتعاظُم الجاذبية، يتقلَّص ويتضاءل، ويَعْظُم تقلُّصاً وتضاؤلاً؛ ولكنَّه لن يتلاشى أبداً.. لن ينعدم أبداً، فـ “النسبية” هنا وهناك تظلُّ في اتِّحاد لا انفصام فيه مع “المُطْلَق” هنا وهناك.
لو تَصَوَّرت شعاع الضوء المنطلق من الشمس نحو الأرض على أنَّه مَرْكَبَة فضائية على متنها مسافِر لديه ساعة، فما الذي يراه هذا المسافِر؟ إنَّه يرى، مثلاً، أنَّ المسافة الفضائية التي قطعها لا تزيد عن 150 ألف كيلومتر، وقد قطعها في زمن مقداره، بحسب ساعته، نصف ثانية؛ أمَّا سرعة مركبته تلك فكانت 300 ألف كيلومتر في الثانية. ولكن، ما الذي يراه المراقِب من على سطح الأرض؟ إنَّه يرى أنَّ تلك المركبة (الضوئية) قد قطعت مسافة فضائية مقدارها 150 مليون كيلومتر، في زمن مقداره، بحسب ساعته، 8 دقائق، وأنَّ سرعتها كانت 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.
في الجسم عظيم الكتلة، أو عظيم الجاذبية، وفي الجسم الذي يسير بسرعة “شبه ضوئية”، نرى “البطء” في “التطوُّر” و”التغيُّر”، وكأنَّ “الكتلة” و”التسارع” هما “كابحٌ” للتطوُّر والتغيُّر.
ونرى، بالتالي، المادة أقل تعقيداً، أو أكثر بساطةً.
و”التسارع” لجسم، أو جسيم، له كتلة، يُمْكِن ويجب فهمه على أنَّه “تعاظُم في الكتلة”. المادة التي لها كتلة يُمْكِنها أن تزداد كتلةً (أو كثافةً) من غير أن تتسارع؛ ولكن لا يُمْكِنها أن تتسارع من غير أن تزداد كتلةً (وكثافةً).
و”الكون”، في نشوئه، أو ولادته، إنَّما هو شيء تهيَّأت له “من قَبْل” أسباب وعوامل وشروط “النشوء”. وما كان مُمْكِناً أن تتهيَّأ إلاَّ في “زمنٍ اسْتُنْفِد مقدارٌ منه” حتى تتهيَّأ. إنَّ “نشوء” الكون لا يُمْكِن أن يكون “ظاهِرةً غير مُسَبَّبَة”، أي لا أسباب لها، فالظاهِرة التي لا أسباب لها إنَّما هي الظاهرة التي لا وجود لها، أو المستحيلة الوجود.
“قَبْلَ” وجود الشيء تُوْجَد، ويجب أن تُوْجَد، أسباب وشروط وجوده “غير المُكْتَمِلة بَعْد”، فـ “اكتمالها (نوعاً وكمَّاً)” إنَّما هو ذاته “لحظة نشوء الشيء”.
وليس من المنطق، ولا من العِلْم، في شيء أن تقول “كان الشيء ولم يكن من شيء”. ليس من المنطق، ولا من العِلْم، في شيء أن تقول مثلاً “كانت الشمس ولم يكن من شيء”؛ ذلك لأنَّ أسباب وعوامل وشروط (وهذه جميعاً هي “أشياء”) نشوء، أو ظهور، الشمس قد كانت موجودة من قَبْل، وإنْ لم تكن مُكْتَمِلة الوجود.
وأنتَ يكفي أن تُسَلِّم بنشوء الشيء في الزمان حتى تُسَلِّم بنشوئه في المكان، أو ضِمْن المكان، فـ “متى” و”أين” تُوْجدان معاً. ولكن، ما معنى “متى”، وما معنى “أين”؟ لنبدأ الإجابة، أو بعضاً منها بـ “أين”.
إذا وَقَعَ “انفجار” فإنَّكَ تسأل “أين وَقَع؟”. كل إجابتكَ يجب أن تكون “مكانية صرف”، فـ “الانفجار” وَقَع في “هذا” الموضع، أو المكان، من الكرة الأرضية. على أنَّ هذه الإجابة (الصحيحة) لا تستوفي “الحقيقة الموضوعية”؛ ذلك لأنَّ “الانفجار” وَقَعَ في “هذا” الموضع من الكرة الأرضية عندما كان كوكب الأرض في موضع فضائي، أو كوني، محدَّد.. عندما كان (على سبيل المثال) على بُعْدٍ مُعيَّن من الشمس. إنَّ “الإجابة المكانية” تشبه “نهر هيراقليط”، فأنتَ لا تَنْزِل في مياه النهر ذاته مرَّتين؛ لأنَّ مياهه جارية، ومختلفةً بالتالي؛ و”المكان” جارٍ كـ “نهر هيراقليط”.
و”إجابتك المكانية” لا معنى لها إذا لم تَقْتَرِن بـ “إجابة زمانية”، فأنتَ ينبغي لكَ أن تضيف إلى ما قُلْت في “إجابتك المكانية” زمن الحادث، أو “الانفجار” كأن تقول إنَّ هذا الانفجار الذي وَقَع في “هذا” الموضع من الكرة الأرضية قد وَقَع (مثلاً) اليوم قبيل غروب الشمس “هنا”، أي في “هذا” الموضع”، فـ “الحادث” إنَّما يَقَع في “مكان” و”زمان” متَّحِدين اتِّحاداً لا انفصام فيه، فلا “مكان” بلا “زمان”، ولا “زمان” بلا “مكان”. و”المادة” التي لا وجود فيها لـ “الزمان” و”المكان” إنَّما هي شيء مستحيل الوجود.
“الزمان” هو خاصِّيَّة جوهرية لكل شيء، لكل مادة، لكل جسم أو جسيم. إنَّه الشيء في “حركته” و”تغيُّره”. كل اختلاف في الشيء، في حجمه، أو في مكانه وموضعه، أو في حركته وسرعته، أو في صفاته وخواصه، ولو كان في منتهى الضآلة، إنَّما يعني أنَّ هذا الشيء موجود (ويتطوَّر) في الزمان. وأنتَ لا يُمْكِنكَ تَصَوُّر أي شيء، وفهمه وتفسيره، إذا لم تَقُلْ “كان.. فأصبح..”، كأن تقول كان هذا الشيء سريعاً فأصبح بطيئاً، كان خفيفاً فأصبح ثقيلاً، كان قريباً من A فأصبح بعيداً عنها، كان صغيراً فأصبح كبيراً، كان مضيئاً فأصبح مُظْلِماً، كان متمدِّداً فأصبح متقلَّصاً، .. إلخ.
الشيء الذي لا يعتريه أي تغيير إنَّما هو الشيء الذي لا يَعْرِف الزمن؛ وهذا الشيء إنَّما هو، لجهة وجوده، المستحيل بعينه.
“الحركة (التغيُّر)” و”الزمن” إنَّما هما شيء واحد؛ ونحن نقيس “التغيُّر” بـ “الزمن”، فنقول، مثلاً، إنَّ هذا المقدار من الماء (السائل) قد تحوَّل كله إلى جليد في زمن مقداره 100 دقيقة مثلاً.. أو بَعْدَ 7200 نبضة من نبضات قلبي. لقد قِسْنا “التغيُّر” بـ “ساعة معيَّنة”، فالشيء “المستمر” و”المنتَظِم” في “حركته”، أو “تغيُّره” يَصْلُح أن يكون “ساعة” نقيس بها الزمن، أو زمن التغيُّر، فأنتَ يُمْكِنُكَ القول إنَّ حدوث هذا التغيُّر قد استغرق 1000 نبضة من نبضات قلبكَ، أو 3 دورات لكوكب الأرض حَوْل محوره، أو دورة واحدة لكوكب الأرض حَوْل الشمس، أو 3 دورات لكوكب المشتري حَوْل الشمس، أو دورتان للشمس حَوْل مَرْكَز مجرَّتنا، مجرَّة “درب التبانة”، أو مليون دورة لهذا الإلكترون حَوْلَ نواة ذرَّته، أو 10 دورات لعقرب الدقائق في ساعتكَ، .. إلخ.
“الساعة” إنَّما هي الحركة تقيس بها حركة، أو تغيُّر. ادْفَع بيدكَ كرةً على سطح طاولة فتنتقل من حال السكون إلى حال الحركة. إنَّها تتحرَّك بدءاً من الموضع A على سطح الطاولة حتى تتوقَّف تماماً عن الحركة في الموضع B منه. حركتها (أو تغيُّرها) هذه استغرقت مقداراً من الزمن، يُمْكِنكَ قياسه بـ “ساعة قَلْبكَ” مثلاً، فتتوصَّل إلى أنَّ الكرة قد توقَّفت تماماً عن الحركة إذ نبض قلبكَ 200 نبضة مثلاً. وعلى هذا النحو فحسب يُمْكننا وينبغي لنا أن نَفْهًَم “الزمن”. وهذا إنَّما هو “المُطْلَق” في معنى “الزمن”، وفي فَهْمِنا له.
على أنَّ هذا “المُطْلَق” يتَّحِد اتِّحاداً لا انفصام فيه مع نقيضه وهو “النسبي”، فـ “الزمن” نسبي في معنى ما، وينبغي لنا أنْ نفهمه على أنَّه شيء نسبي أيضاً. وقد كان آينشتاين هو أوَّل من أسَّس، فيزيائياً، وعلى نحو متماسِك، لـ “نسبية” الزمن إذ اكتشف أنَّ الزمن يتأثَّر بعاملين: “السرعة” و”الجاذبية”. إنَّه يبطؤ مع كل تزايد في سرعة الجسم، وحيث تَعْظُم الجاذبية.
في الجسم “المتسارِع”، والذي تزايدت سرعته حتى أصبح يسير (في الفضاء) بسرعة “شبه ضوئية”، أو في الجسم عظيم الكتلة، عظيم الجاذبية بالتالي، لا بدَّ لسير الزمن فيه من أن يتباطأ. وهذا التباطؤ إنَّما يعني بحسب “نسبية الزمن”، وعلى سبيل المثال، أنَّ الدقيقة الواحدة في ذلك الجسم تَعْدِل دقائق، أو ساعات، أو سنوات، أرضية.
إذا كانت المرأة الحامل تَلِدُ بَعْد تسعة أشهر من الحَمْل، وإذا سافرت امرأة حامل، وهي في اليوم الأوَّل من حَمْلِها، على متن سفينة فضائية، تسارعت حتى بلغت سرعتها 280 كيلومتر في الثانية الواحدة، فإنَّها ستَلِدُ بَعْد تسعة أشهر بحسب ساعتها؛ ولكنَّها بحسب “ساعة الأرض” قد وَلَدَت بَعْد مليون سنة (من حَمْلِها) مثلاً. ويكفي أن تعود هذه المرأة إلى الأرض حتى تُدْرِك أنَّ حَمْلَها، الذي استغرق تسعة أشهر بحسب ساعتها، قد استغرق مليون سنة بحسب الساعة الأرضية. قبل أن تعود لن يكون في مقدورها أن تُدْرِك أنَّ الزمن عندها يسير في بطء شديد.
هذا مصباح يَعْمَل بالبطارية، ولسوف يَسْتَهْلِكُ بطاريته تماما إذا ما شغَّلْتُه 10 ساعات. خُذْهُ معكَ في رحلة فضائية بمركبة تسير بسرعة 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، وشَغِّلْهُ حتى تُسْتَهْلَك بطاريته بالكامل. سترى أنَّ تلك البطارية قد اسْتُهْلِكَت بَعْد 10 ساعات بحسب ساعتكَ؛ ولكن كل ساعة من تلك الساعات كانت تَعْدِل سنوات أرضية.
و”النسبية” تشمل أيضاً “المكان”، فكل شيء في مَرْكَبَتِكَ الفضائية تلك يَصْغُر حجماً بالنسبة إلى من يراقبكَ من على سطح الأرض مثلاً؛ و”المسافة الفضائية” بين مَرْكَبَتِكَ وبين ما حَوْلها من مجرَّات ونجوم وكواكب.. تتضاءل بالنسبة إليكَ.
“الزمن”، بالتسارع وبتعاظُم الجاذبية، يتباطأ، ويَعْظُم تباطؤاً؛ ولكنَّه لن يتلاشى أبداً.. لن ينعدم أبداً. و”المكان”، بالتسارع وبتعاظُم الجاذبية، يتقلَّص ويتضاءل، ويَعْظُم تقلُّصاً وتضاؤلاً؛ ولكنَّه لن يتلاشى أبداً.. لن ينعدم أبداً، فـ “النسبية” هنا وهناك تظلُّ في اتِّحاد لا انفصام فيه مع “المُطْلَق” هنا وهناك.
لو تَصَوَّرت شعاع الضوء المنطلق من الشمس نحو الأرض على أنَّه مَرْكَبَة فضائية على متنها مسافِر لديه ساعة، فما الذي يراه هذا المسافِر؟ إنَّه يرى، مثلاً، أنَّ المسافة الفضائية التي قطعها لا تزيد عن 150 ألف كيلومتر، وقد قطعها في زمن مقداره، بحسب ساعته، نصف ثانية؛ أمَّا سرعة مركبته تلك فكانت 300 ألف كيلومتر في الثانية. ولكن، ما الذي يراه المراقِب من على سطح الأرض؟ إنَّه يرى أنَّ تلك المركبة (الضوئية) قد قطعت مسافة فضائية مقدارها 150 مليون كيلومتر، في زمن مقداره، بحسب ساعته، 8 دقائق، وأنَّ سرعتها كانت 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.
في الجسم عظيم الكتلة، أو عظيم الجاذبية، وفي الجسم الذي يسير بسرعة “شبه ضوئية”، نرى “البطء” في “التطوُّر” و”التغيُّر”، وكأنَّ “الكتلة” و”التسارع” هما “كابحٌ” للتطوُّر والتغيُّر.
ونرى، بالتالي، المادة أقل تعقيداً، أو أكثر بساطةً.
و”التسارع” لجسم، أو جسيم، له كتلة، يُمْكِن ويجب فهمه على أنَّه “تعاظُم في الكتلة”. المادة التي لها كتلة يُمْكِنها أن تزداد كتلةً (أو كثافةً) من غير أن تتسارع؛ ولكن لا يُمْكِنها أن تتسارع من غير أن تزداد كتلةً (وكثافةً).