..AHMAD
18/06/2008, 04:12
التجريد لا يعتبر المحاكاة فناً والغاية هي الوصول الى الفن الخالص
اما تناقضات افكار منظري هذه الاتجاهات الذين يعدون بالوصول الى المطلق واكتشاف ما وراء الواقع بوساطة التجريد ولقد ادت هذه التناقضات الى الفوضى والممارسة المجنونة للفن والنقد الفني واصبح التجريد تسوده فوضى المدارس والنزاعات الفنية التي لا تعترف بأي قيمة او مرجع او معيار.. وهكذا يرفض التجريد الواقع او المحاكاة ولا يعتبرها فنا كما يشكك بعلاقة الفن بالمعرفة وقد خرج التجريديون على كل معايير اللوحة القديمة وبنائها وموضوعها وتكوينها والمهم لديهم الا يكون هناك معنى ولذلك فإن التجريديين اعلنوا ان الغاية هي الوصول الى (الفن الخالص) كما يقول (موندريان) لقد انتهيت شيئا فشيئا الى ان التكعيبية لم تقبل النتائج المنطقية لمكتشفاتها الخالصة فهي لم تتوسع في التجريد لتصل الى هدفه النهائي اي التعبير عن واقع مطلق وقد شعرت ان واقعا كهذا لا يمكن ان يقوم الا على التشكيل الصرف لقد فهم التجريديون ان جميع المدارس الفنية من (التأثيرية والتعبيرية والتكعيبية والسوريالية والرمزية وصولاً الى مدرسة الخداع البصري كلها تجري الى مستقر وحيد الا وهو (التجريد).
ويقول (ارنهايم): ان التجريد مشروع يرفض كل تشخيص او تمثيل لأن الواقع عامل مخرب للفن الصافي لذا يجب تعطيل كل اثارة للعالم الخارجي فتكتفي اللوحة بذاتها والمهم هو تحويل الشيء الى هيكل عام خال من اي صفة ملموسة مباشرة للواقع.
ويدعي الناقد «ايم» ان الفن التجريدي هو فن (الحداثة المطلقة) و (الابداع المستمر) و (الثورة الدائمة والتمرد المطلق) ويدعو الى قطع الصلة مع الماضي للوصول الى مدرسة فنية نقية خالصة لأن كل فن واقعي لا جديد فيه وعلى الفن الجديد ان يكتسب اهمية من الانكفاء على ذاته وعليه ان يقطع الصلة مع الطبيعة والخارج وتتخلص اللوحة التجريدية من دورها كأداة تشير الى الواقع.
ومن هذه الطروحات نستخلص بأن حصر الحداثة والابداع والتجريد في الفن التجريدي ينفي الحداثة والابداع عن الفن التشكيلي منذ فن الكهوف كما ان التجديد من اجل التجديد تحول الى حركة مغلقة دائرية على نفسها ومنقطعة عن الماضي رغم ان المحاكاة ـ حب ارسطو ـ ليست تغطية اخبارية للتجربة والافكار البصرية للواقع بل هي ايضا تأكيد على دور الايحاء والتعبير لأن الانطباع البصري والفكر البصري مضاف الى الطبيعة وليس هو الطبيعة بحد ذاتها.
ومن اشهر الفنانين والنقاد «التجريديين» (جوت) و (ريجل) و (لبس) و (فورابخيه) و (كاندينسكي) و (موندريان) و (ماليفيتش) و (بولوك) وغيرهم حيث يحدد (جوت) طبيعة الفن التشكيلي بربط (الاسلوب) بالمعرفة العميقة لجوهر الاشياء بقوله: ان هدف الفنان هو اعطاء تمثيل ملموس للجوهر الحقيقي للطبيعة فيمر بثلاث مراحل:
1ـ مرحلة التقليد والوصف العادي للأشياء تقوم على الرؤية الحية المباشرة.
2ـ مرحلة الطريقة وتقوم على الارتفاع بمعرفة الاشياء وصفاتها الخاصة الى صفات عامة.
3ـ الاسلوب وهو قائم على معرفة جوهر الاشياء الموجودة خلف مظاهرها العادية حيث يقوم الفنان بإعطاء شكل محسوس لهذا الجوهر الصافي والخالص والمكتشف من قبل الفنان هذا الجوهر هو الصفات غير المرئية والمستمرة للاشياء وطريقتها بالوجود.
ويرى (جوت) ان المراحل الثلاث ضرورية للفنان والذي يكتفي بمرحلة واحدة سيبتعد عن اعطاء لوحة متماسكة وعمله سيكون فارغا من كل محتوى.
اما (ريجل) فقد درس الزخارف الهندسية الفرعونية واليونانية والبيزنطية والايرلندية والاسلامية فرأى ان هدف الفن ليس تقليد الطبيعة او صنع شيء مطابق للطبيعة بل التنافس معها بمعنى ان اشكال الاشياء في الطبيعة (كالاحجار البلورية) و (اوراق وزهور النباتات) و (الخلايا) وكل جسم الانسان والحيوان والتي تبدو لنا غير منتظمة وعفوية هي في جوهرها متناظرة وهندسية التكوين ومتعادلة التوزيع لكنها مغطاة ومشوشة ومما يزيد تشويشها انتقالها وتحركها وان الطبيعة تقدم لعين الانسان خليطاً من الاشياء الغامضة فيحاول الفن الكشف عن جوهرها المستمر والخالد فالقانون الاساسي الذي تنشيء عليه الطبيعة اشكالها هو التبلور المبني على مبدأ التناظر والتعادل اي التوزيع المتكافيء للاجزاء وهذا ما ينطبق على ما يقوم به الفنان حين يبدع عملا وهذا هو مبدأ التنافس مع الطبيعة وعلى الفنان احترام قوانين الانسجام والتناظر والنسب وكل الاسباب الداخلية لبناء اللوحة لهذا يقوم بتهذيب وتحسين وتعديل الاشكال الطبيعية والسمو بها نحو الجمال التشكيلي وفي مرحلة لاحقة يقول ريجل: اما اليوم فعلى الفن ان يعود مستقلا فأهدافه اصبحت خلق اعمال جديدة ليس لها شبيه في الطبيعة فاليوم يستطيع الانسان الانفصال فالطبيعة لم تعد قادرة على ان تكون الوسيط لترجمة معتقداته الروحية فعليه ان يخلق اشكالا جديدة باستمرار.
وبذلك ادار ريجل ظهره للعنصر الطبيعي فأعلن القطيعة الكاملة مع الطبيعة وما قاله عكس نظرية (سامبير) القائلة بأن العمل الفني بحاجة الى معرفة صنع ومهارة بالاداء وان للعمل الفني ثلاثة اسس رئيسية هي 1ـ هدف اجتماعي نفعي 2ـ مواده المؤلفة له 3ـ التقنية ومعرفة الصنع.
بينما يرى ريجل ان هدف الفن وجوهره هو الرغبة والارادة التشكيلية الجماعية المستقلة تماما عن الموضوع وطرق مواد التنفيذ، لهذا حارب ريجل الفن الاكاديمي لصالح فن عفوي مجرد بينما يرفض «لبس» ان يكون هدف الفن نسخ الطبيعة وانما التعبير عن الحياة الروحية للنفس الداخلية المنطوية على ذاتها ويرى ان الخطوط والالوان تستطيع التعبير عن الفرح والالم والضجر الخ.
غير ان فورانجية طرح نظرية التجريد والاتصال الحدسي مع العالم تعالج مشكلة التجريد من خلال علاقة علم النفس بالفن التشكيلي للتأكيد على عملية التعبير الذاتي للفنان وهذه الفكرة قائمة على ان الحاجة النفسية العميقة التي هي مطلقة وعامة تقودنا الى اشكال مجردة غير واقعية للوصول الى التجريد الهندسي كما هي الحال في الفن المصري والزخرفة العربية ورسوم المكسيك فالفن التشكيلي هو لغة منفصلة عن الطبيعة بل هو نظام هندسي مؤلف من خطوط واشكال والوان مستقلة وسابقة على الاشكال العضوية الطبيعية فالتمتع الجمالي هو عبارة عن شعور داخلي يكفي نفسه بنفسه وهو قوة متحركة وعمل نفسي داخلي مدعوم بالارادة التشكيلية الهندسية ولهذا فإن الفن التجريدي يهدف الى البحث عن جوهر الشيء الطبيعي وتحويله الى شكل مفصول عن الوجود المؤدي لهذا الشيء واستخدام هذا الشكل المجرد كحامل للتعبير الداخلي والروحي عند الفنان فالفنان يقذف ويسقط عالمه الداخلي على سطح اللوحة مما يعطي صورة جديدة ليس لها مثيل بالواقع ولم نرها من قبل يقول فورانجيه: كل خط ملموس رغم انه موجود بالنسبة لي ليس الا نتيجة مركبة من شيئين اولا: الاحساس والشعور وثانيا: الرؤية. فأنا حين ارى خطا انتظر حتى يتملكه شعوري بصورة كاملة لأحاول عزله عما يحيط به فاذا قبلت هذا الاحساس اشعر بسعادة وحرية كبيرتين.
ويتطرق الى التجريد عند كاندنسكي الذى رسم عام 1910 اول لوحة تجريدية بالالوان المائية (تمثل منظرا طبيعيا) وكتب تحتها هذا انا عندما وجدت حقيقتي وكان قد سبقه بذلك عام 1902 الفنان بيكابيا الذي عرض في الصالون لوحته المسماة صورتي الشخصية وحالتي النفسية وهي عبارة عن خط اسود على ورقة بيضاء ويؤكد كاندنسكي ان العمل الفني يتألف من عنصرين الاول داخلي ونفسي وهو الانفعال والتأثير الروحي عند الانسان والثاني خارجي يتعلق بالاسلوب، ويؤكد ان المهم في اللوحة ليست الفكرة وانما الصدمة البصرية. هذه الفكرة التي خرج بها عندما وجد احدى لوحاته معلقة في المعرض بشكل مقلوب حيث لم يتعرف على الاشكال الواقعية بل وجد في اللوحة الوانا واشكالا فقط وكان ذلك بالنسبة له دليلا على ان التمثيل والتشخيص او الرسم الواقعي يضر باللوحة ويخفي الاسلوب وكان يخشى ان تتحول اللوحة الى عمل تزييني قائم فقط على اشكال محضة خالية من التعبير ولهذا نادى بفكرة التعبير الداخلي وفكرة التعبير عن الحياة الروحية للنفس المنطوية على ذاتها وان الخطوط والالوان والاشكال المجردة يمكنها تقمص حالة الفرح والالم والضجر والروح الموجودة بأعماق الانسان وان اللوحة المجردة من الاشياء ومن شكلها الخارجي والمادي تتحول الى عنصر روحي وقوة داخلية ذاتية. وكتب كاندنسكي في مذكراته كل ما يحدث ما هو الا رمز وان ما يشاهد ليس الا عبارة عن نسب وامكانيات لان الحقيقة الاصلية للاشياء تبقى من حيث المبدأ غير مرئية.
اما التجريد عند موندريان فقد اراد ان يصل الى التشكيل البحت الصافي فاعتمد على ازالة كل ما هو طبيعي في الرسم للوصول الى التجريد الهندسي الخالص والتعبير المجرد الصافي للاشكال لان التجريد هو الوصول الى جوهر الاشياء والى المطلق بحيث يعبر التشكيل بعيدا عن كل موقف عاطفي او ضرورة داخلية اذ يقول موندريان:
«في الوقت الذي يمكن فيه لادراكنا ومشاعرنا ان تبدل انطباعاتنا فإن الاشكال الهندسية تحافظ على تعابيرها الخاصة».
ويتطرق الى اشهر الاتجاهات التجريدية الحديثة في العالم وهي: التشكيل الجديد ـ التجريد التنزيهي ـ التجريد الموسيقي ـ التجريد الغنائي ـ الفن اللاشكلي ـ وله عدة اتجاهات مثل: التجريد التعبيري ـ التجريد الداخلي أو الودى ـ التجريد الغيمي ـ التجريد الانطباعي ـ التجريد البنائي ـ التجريد البدائي او الساذج ـ التجريد الحروفي ـ التجريد البقعي ـ الفعل التجريدي ـ الكتابة البيضاء ـ الالوان الدسمة ـ الالوان المتكاملة ـ البحث عن خير جديد ـ المنظر الطبيعي التجريدي ـ التجريد الفضائي ـ الدادا ـ العودة الى الارض ـ الخ...
ويخلص الى القول:
ان كل هذه الاتجاهات تدور حول طروحات ريجل ومورانجية وكاندنسكي وموندريان وبولوك والتي ترفض الواقع والرسم ذا البعد الثالث والظل والنور وهي تبرر التجريد باللجوء الى عالم الموسيقى واللجوء الى الروحي لملء الفراغ الذي تركه رفض الواقع والموضوع او اللجوء الى مسألة التعبير الذاتي والشعور اللحظي وحصر مسألة التعبير الذاتي والاسلوب او الطريقة فقط بالرسم التجريدي.
اما تناقضات افكار منظري هذه الاتجاهات الذين يعدون بالوصول الى المطلق واكتشاف ما وراء الواقع بوساطة التجريد ولقد ادت هذه التناقضات الى الفوضى والممارسة المجنونة للفن والنقد الفني واصبح التجريد تسوده فوضى المدارس والنزاعات الفنية التي لا تعترف بأي قيمة او مرجع او معيار.. وهكذا يرفض التجريد الواقع او المحاكاة ولا يعتبرها فنا كما يشكك بعلاقة الفن بالمعرفة وقد خرج التجريديون على كل معايير اللوحة القديمة وبنائها وموضوعها وتكوينها والمهم لديهم الا يكون هناك معنى ولذلك فإن التجريديين اعلنوا ان الغاية هي الوصول الى (الفن الخالص) كما يقول (موندريان) لقد انتهيت شيئا فشيئا الى ان التكعيبية لم تقبل النتائج المنطقية لمكتشفاتها الخالصة فهي لم تتوسع في التجريد لتصل الى هدفه النهائي اي التعبير عن واقع مطلق وقد شعرت ان واقعا كهذا لا يمكن ان يقوم الا على التشكيل الصرف لقد فهم التجريديون ان جميع المدارس الفنية من (التأثيرية والتعبيرية والتكعيبية والسوريالية والرمزية وصولاً الى مدرسة الخداع البصري كلها تجري الى مستقر وحيد الا وهو (التجريد).
ويقول (ارنهايم): ان التجريد مشروع يرفض كل تشخيص او تمثيل لأن الواقع عامل مخرب للفن الصافي لذا يجب تعطيل كل اثارة للعالم الخارجي فتكتفي اللوحة بذاتها والمهم هو تحويل الشيء الى هيكل عام خال من اي صفة ملموسة مباشرة للواقع.
ويدعي الناقد «ايم» ان الفن التجريدي هو فن (الحداثة المطلقة) و (الابداع المستمر) و (الثورة الدائمة والتمرد المطلق) ويدعو الى قطع الصلة مع الماضي للوصول الى مدرسة فنية نقية خالصة لأن كل فن واقعي لا جديد فيه وعلى الفن الجديد ان يكتسب اهمية من الانكفاء على ذاته وعليه ان يقطع الصلة مع الطبيعة والخارج وتتخلص اللوحة التجريدية من دورها كأداة تشير الى الواقع.
ومن هذه الطروحات نستخلص بأن حصر الحداثة والابداع والتجريد في الفن التجريدي ينفي الحداثة والابداع عن الفن التشكيلي منذ فن الكهوف كما ان التجديد من اجل التجديد تحول الى حركة مغلقة دائرية على نفسها ومنقطعة عن الماضي رغم ان المحاكاة ـ حب ارسطو ـ ليست تغطية اخبارية للتجربة والافكار البصرية للواقع بل هي ايضا تأكيد على دور الايحاء والتعبير لأن الانطباع البصري والفكر البصري مضاف الى الطبيعة وليس هو الطبيعة بحد ذاتها.
ومن اشهر الفنانين والنقاد «التجريديين» (جوت) و (ريجل) و (لبس) و (فورابخيه) و (كاندينسكي) و (موندريان) و (ماليفيتش) و (بولوك) وغيرهم حيث يحدد (جوت) طبيعة الفن التشكيلي بربط (الاسلوب) بالمعرفة العميقة لجوهر الاشياء بقوله: ان هدف الفنان هو اعطاء تمثيل ملموس للجوهر الحقيقي للطبيعة فيمر بثلاث مراحل:
1ـ مرحلة التقليد والوصف العادي للأشياء تقوم على الرؤية الحية المباشرة.
2ـ مرحلة الطريقة وتقوم على الارتفاع بمعرفة الاشياء وصفاتها الخاصة الى صفات عامة.
3ـ الاسلوب وهو قائم على معرفة جوهر الاشياء الموجودة خلف مظاهرها العادية حيث يقوم الفنان بإعطاء شكل محسوس لهذا الجوهر الصافي والخالص والمكتشف من قبل الفنان هذا الجوهر هو الصفات غير المرئية والمستمرة للاشياء وطريقتها بالوجود.
ويرى (جوت) ان المراحل الثلاث ضرورية للفنان والذي يكتفي بمرحلة واحدة سيبتعد عن اعطاء لوحة متماسكة وعمله سيكون فارغا من كل محتوى.
اما (ريجل) فقد درس الزخارف الهندسية الفرعونية واليونانية والبيزنطية والايرلندية والاسلامية فرأى ان هدف الفن ليس تقليد الطبيعة او صنع شيء مطابق للطبيعة بل التنافس معها بمعنى ان اشكال الاشياء في الطبيعة (كالاحجار البلورية) و (اوراق وزهور النباتات) و (الخلايا) وكل جسم الانسان والحيوان والتي تبدو لنا غير منتظمة وعفوية هي في جوهرها متناظرة وهندسية التكوين ومتعادلة التوزيع لكنها مغطاة ومشوشة ومما يزيد تشويشها انتقالها وتحركها وان الطبيعة تقدم لعين الانسان خليطاً من الاشياء الغامضة فيحاول الفن الكشف عن جوهرها المستمر والخالد فالقانون الاساسي الذي تنشيء عليه الطبيعة اشكالها هو التبلور المبني على مبدأ التناظر والتعادل اي التوزيع المتكافيء للاجزاء وهذا ما ينطبق على ما يقوم به الفنان حين يبدع عملا وهذا هو مبدأ التنافس مع الطبيعة وعلى الفنان احترام قوانين الانسجام والتناظر والنسب وكل الاسباب الداخلية لبناء اللوحة لهذا يقوم بتهذيب وتحسين وتعديل الاشكال الطبيعية والسمو بها نحو الجمال التشكيلي وفي مرحلة لاحقة يقول ريجل: اما اليوم فعلى الفن ان يعود مستقلا فأهدافه اصبحت خلق اعمال جديدة ليس لها شبيه في الطبيعة فاليوم يستطيع الانسان الانفصال فالطبيعة لم تعد قادرة على ان تكون الوسيط لترجمة معتقداته الروحية فعليه ان يخلق اشكالا جديدة باستمرار.
وبذلك ادار ريجل ظهره للعنصر الطبيعي فأعلن القطيعة الكاملة مع الطبيعة وما قاله عكس نظرية (سامبير) القائلة بأن العمل الفني بحاجة الى معرفة صنع ومهارة بالاداء وان للعمل الفني ثلاثة اسس رئيسية هي 1ـ هدف اجتماعي نفعي 2ـ مواده المؤلفة له 3ـ التقنية ومعرفة الصنع.
بينما يرى ريجل ان هدف الفن وجوهره هو الرغبة والارادة التشكيلية الجماعية المستقلة تماما عن الموضوع وطرق مواد التنفيذ، لهذا حارب ريجل الفن الاكاديمي لصالح فن عفوي مجرد بينما يرفض «لبس» ان يكون هدف الفن نسخ الطبيعة وانما التعبير عن الحياة الروحية للنفس الداخلية المنطوية على ذاتها ويرى ان الخطوط والالوان تستطيع التعبير عن الفرح والالم والضجر الخ.
غير ان فورانجية طرح نظرية التجريد والاتصال الحدسي مع العالم تعالج مشكلة التجريد من خلال علاقة علم النفس بالفن التشكيلي للتأكيد على عملية التعبير الذاتي للفنان وهذه الفكرة قائمة على ان الحاجة النفسية العميقة التي هي مطلقة وعامة تقودنا الى اشكال مجردة غير واقعية للوصول الى التجريد الهندسي كما هي الحال في الفن المصري والزخرفة العربية ورسوم المكسيك فالفن التشكيلي هو لغة منفصلة عن الطبيعة بل هو نظام هندسي مؤلف من خطوط واشكال والوان مستقلة وسابقة على الاشكال العضوية الطبيعية فالتمتع الجمالي هو عبارة عن شعور داخلي يكفي نفسه بنفسه وهو قوة متحركة وعمل نفسي داخلي مدعوم بالارادة التشكيلية الهندسية ولهذا فإن الفن التجريدي يهدف الى البحث عن جوهر الشيء الطبيعي وتحويله الى شكل مفصول عن الوجود المؤدي لهذا الشيء واستخدام هذا الشكل المجرد كحامل للتعبير الداخلي والروحي عند الفنان فالفنان يقذف ويسقط عالمه الداخلي على سطح اللوحة مما يعطي صورة جديدة ليس لها مثيل بالواقع ولم نرها من قبل يقول فورانجيه: كل خط ملموس رغم انه موجود بالنسبة لي ليس الا نتيجة مركبة من شيئين اولا: الاحساس والشعور وثانيا: الرؤية. فأنا حين ارى خطا انتظر حتى يتملكه شعوري بصورة كاملة لأحاول عزله عما يحيط به فاذا قبلت هذا الاحساس اشعر بسعادة وحرية كبيرتين.
ويتطرق الى التجريد عند كاندنسكي الذى رسم عام 1910 اول لوحة تجريدية بالالوان المائية (تمثل منظرا طبيعيا) وكتب تحتها هذا انا عندما وجدت حقيقتي وكان قد سبقه بذلك عام 1902 الفنان بيكابيا الذي عرض في الصالون لوحته المسماة صورتي الشخصية وحالتي النفسية وهي عبارة عن خط اسود على ورقة بيضاء ويؤكد كاندنسكي ان العمل الفني يتألف من عنصرين الاول داخلي ونفسي وهو الانفعال والتأثير الروحي عند الانسان والثاني خارجي يتعلق بالاسلوب، ويؤكد ان المهم في اللوحة ليست الفكرة وانما الصدمة البصرية. هذه الفكرة التي خرج بها عندما وجد احدى لوحاته معلقة في المعرض بشكل مقلوب حيث لم يتعرف على الاشكال الواقعية بل وجد في اللوحة الوانا واشكالا فقط وكان ذلك بالنسبة له دليلا على ان التمثيل والتشخيص او الرسم الواقعي يضر باللوحة ويخفي الاسلوب وكان يخشى ان تتحول اللوحة الى عمل تزييني قائم فقط على اشكال محضة خالية من التعبير ولهذا نادى بفكرة التعبير الداخلي وفكرة التعبير عن الحياة الروحية للنفس المنطوية على ذاتها وان الخطوط والالوان والاشكال المجردة يمكنها تقمص حالة الفرح والالم والضجر والروح الموجودة بأعماق الانسان وان اللوحة المجردة من الاشياء ومن شكلها الخارجي والمادي تتحول الى عنصر روحي وقوة داخلية ذاتية. وكتب كاندنسكي في مذكراته كل ما يحدث ما هو الا رمز وان ما يشاهد ليس الا عبارة عن نسب وامكانيات لان الحقيقة الاصلية للاشياء تبقى من حيث المبدأ غير مرئية.
اما التجريد عند موندريان فقد اراد ان يصل الى التشكيل البحت الصافي فاعتمد على ازالة كل ما هو طبيعي في الرسم للوصول الى التجريد الهندسي الخالص والتعبير المجرد الصافي للاشكال لان التجريد هو الوصول الى جوهر الاشياء والى المطلق بحيث يعبر التشكيل بعيدا عن كل موقف عاطفي او ضرورة داخلية اذ يقول موندريان:
«في الوقت الذي يمكن فيه لادراكنا ومشاعرنا ان تبدل انطباعاتنا فإن الاشكال الهندسية تحافظ على تعابيرها الخاصة».
ويتطرق الى اشهر الاتجاهات التجريدية الحديثة في العالم وهي: التشكيل الجديد ـ التجريد التنزيهي ـ التجريد الموسيقي ـ التجريد الغنائي ـ الفن اللاشكلي ـ وله عدة اتجاهات مثل: التجريد التعبيري ـ التجريد الداخلي أو الودى ـ التجريد الغيمي ـ التجريد الانطباعي ـ التجريد البنائي ـ التجريد البدائي او الساذج ـ التجريد الحروفي ـ التجريد البقعي ـ الفعل التجريدي ـ الكتابة البيضاء ـ الالوان الدسمة ـ الالوان المتكاملة ـ البحث عن خير جديد ـ المنظر الطبيعي التجريدي ـ التجريد الفضائي ـ الدادا ـ العودة الى الارض ـ الخ...
ويخلص الى القول:
ان كل هذه الاتجاهات تدور حول طروحات ريجل ومورانجية وكاندنسكي وموندريان وبولوك والتي ترفض الواقع والرسم ذا البعد الثالث والظل والنور وهي تبرر التجريد باللجوء الى عالم الموسيقى واللجوء الى الروحي لملء الفراغ الذي تركه رفض الواقع والموضوع او اللجوء الى مسألة التعبير الذاتي والشعور اللحظي وحصر مسألة التعبير الذاتي والاسلوب او الطريقة فقط بالرسم التجريدي.