-
دخول

عرض كامل الموضوع : غُراب الصحيفة السورية


الإصلاحي
25/05/2008, 11:15
غُراب الصحيفة السورية



بعض الأخبار تلفت النظر بطرافتها وغرابتها أو بطريقة التعقيب عليها، ولكن مايلفت أكثر أن تأتي التعليقات من بلاد القمع وحصار الناس جوعاً وفقراً وتعتيراً ومعلومةً فتقرؤها وكأنها قادمة من كوكب آخر، ولتظهر معها المفارقات وكأنها رسوم كاريكاتيرية معبرة ولها إشاراتها ومعانيها الخاصة بها.
نشرت صحيفة تشرين الدمشقية بتاريخ 22 أيار/مايو 2008 أن قوات الاحتلال الاسرائيلي أطلقت يوم أمس سراح الأسير السوري محمد عبدو الشمالي من أبناء قرية الغجر المحتلة بعد رحلة من القهر والحرمان والتعذيب في معتقلات الاحتلال وزنازين الرملة والجلبوع وهداريم استمرت خمسة أعوام تقريباً، وكانت قوات الاحتلال اعتقلته في 2003 ووجهت جنرالات الارهاب المنظم بالكيان الصهيوني له تهمة مقاومة الاحتلال والاتصال بالمقاومة اللبنانية البطلة وتزويدها بمعلومات عسكرية وامنية خطيرة واخفاء معلومات عن أجهزة الأمن الإسرائيلية، وحكم عليه بالسجن سبع سنوات فعلية وثلاث مع وقف التنفيذ وقد خضع الشمالي للتحقيق والتعذيب في أقبية ومعتقلات الاحتلال وتنقّل بين سجونها الظالمة والمظلمة حيث أمضى مدة الحبس، وكانت قوات الاحتلال خفضت مدة الاعتقال ليفرج عنه يوم أمس.
مفارقة خبر الصحيفة السورية نشرُها خبراً متميزاً عما يفعله الاحتلال الإسرائبلي- رغم إعفائه من ربع المدة -من القهر والحرمان في معتقلاته وزنازينه متناسية أو متغافلة أو متغابية لافرق أن لدى السوريين في قاعهم المئات من الأمثلة المشار إليها إن لم يكن بالآلاف.
مئات من معتقلي النظام السوري رأياً وفكراً ومعارضةً عبر عقوده الأربعة من النكبة هم مواطنون سورييون ولكن بلا حقوق، مورست عليهم كافة ابتكارات ومخترعات القهر والتعذيب والتنكيل والبطش أضعافاً مضاعقة مما أشارت إليه صحيفة تشرين مما لا يخطر على قلب بشر. المحظوظون منهم طالتهم محاكمات لبضع دقائق ليقعدوا بعدها في تدمر والمزّة وغيرها من قلاع القمع والتنكيل السنين تلو السنين من دون حساب يتجرعون المهانة والذلة والعذاب والتوحش بعيداً عن شيء اسمه إنسانية. وهم معروفون بأسمائهم وسيماهم وهم بالمئات إن لم يكونوا بالآلاف، كانت أحكامهم ثلاث سنين أو خمس أو أكثر أو أقل ولكنهم أمضوا سنوات حكمهم ولم يطلق سراحهم إلا بعد إمضائهم أضعاف سنوات أحكام محاكمهم العتيدة.
قال مستنكراً ومستفهماً: أن يُحكم المرء مخطئاً كان أم مصيباً، مجرماً أو بريئاً بعدد من السنين ثم يمضي ضعفها ولا يخرج، ويمضي ضعفيها ولا يخرج من سجون الممارسات النازية إلا بمرسوم عفو من رأس النظام، هل هذا معقول في حين أن القوات الإسرائيلية كما في خبر تشرين منذ أيام خفضت مدة اعتقال محمد الشمالي ليرجع إلى أهله وناسه قبل انتهاء مدته...!!؟
قلت: بالتأكيد أن في الأمر إنّ، وفيه بعض الاختلاف. فالإسرائيلييون في القرى المحتلة يدهم ليست مطلقة في أن يفعلوا مايفعلوا بالمعتقلين والناس من السوريين لأن النظام السوري لن يسكت عليهم وسيفضحهم، أما في سورية فهم مواطنوه ويده مطلقة ولايسأل عما يفعل في مواطنيه ومعارضيه. وأما أن أسيرهم وسجينهم لايخرج من معتقلاتهم إلا بمرسوم عفو وخاص رغم إمضاء ضعفي مدة حكمه، فيبدو والعلم عند الله أن معرفة الجهات المسؤولة بأن محاكمها الأمنية والعسكرية أي كلام وعديمة العدل والإنصاف في معتقليها فيجتهد النظام بوطنيته وإخلاصه وأمانته وإبراءً لذمته قمعاً واستبداداً وتنكيلاً أن ينصفهم من تلقاء نفسه، ويحتفظ بهم أطول مدة ممكنة حتى يخرجوا برسومه ومراسيمه العفوية، ومن ثم يُحسوا بجمايله وفضائله التي تعمهم وتطفح حولهم وحواليهم لعلهم يشكرون. ومن ثم بغير هكذا فهم أو تحليل، فلن نستطيع فهم وهضم أن يُحكم مواطن ما بثلاث سنين سجناً فيخدمها خمسة عشر دأباً. إن حكم سنة سجن يعني في فهم القامعين خمساً والثلاث سنوات تعني خمسة عشر عاماً في معتقلاتٍ وزنازين ليست منها في شيء سجون غوانتنامو وأبوغريب بما عليهما من شهرة ولهما من سوء سمعة، ولكن الأهم هو التكريم بعدم الخروج وتسهيل الأمر إلا بعفو رئاسي.
عجيب أن تحدثنا صحيفة تشرين عن أسيرنا السوري الشمالي في سجون الاحتلال الإسرائيلي وحسن معاملتهم له، وأعجب منه صمتها وخرسها عن الأسرى السوريين في الشمال والجنوب والغرب والشرق وفي كل جهات الوطن ومدنه وقراه وزواريبه في معتقلات القمع والاستبداد، ولكن الأعجب حقيقةً هو عجز صحافة الثورة والبعث وتشرين وكل أشهر العام وصحفييهم أن يأتوا بسجين واحد من عشرات الآلاف من معتقلي النظام بين البشر، نال من حسن المعاملة وتخفيض سنوات سجنه ظلماً أو عدلاً من مثل ماحظي به سوري تحت الحكم الإسرائيلي من قرية الغجر، ولقد جاءهم من الأنباء مافيه مزدجر، بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمرّ.
بعيداً عن أن الخبر قصة أسير من الغجر، أو فواحش قمع واستبداد قلوب عتاولتها من الحجر، عمّت البلاد والعباد في البوادي والحضر، وبعيداً عن الكآبة وما يسد النفس من أحاديث القمع والقتل وأفعال النازيين وإعمالاً للتفاؤل في حياتنا وقراءةً للخبر من وجهه الآخر يبعث أملاً أن يكون ماكان من الحكاية كلها الغراب الذي يبحث في الأرض ليُعلّم النازيين ووحوشهم كيف يواروون سوآتهم مع مواطنيهم والناس والعالم من حولهم وحواليهم، ويُروونهم شيئاً من إنسانيتهم...!!

بدرالدين حسن قربي