أحمد العجي
04/08/2005, 10:51
لم يشأ حسني مبارك زيارة البيت الأبيض، ولأول مرة يفقد حماسه وشهيته الدائمة لتوطيد علاقاته مع الرؤساء الأمريكيين الذين تعاقبوا على حكم أميركا طوال فترة رئاسته التي تمتد الى 24 عاماً، ليس لأنه يناصبها العداء، أو بسبب اتخاذه موقفاً من سياستها، انما بسبب معرفته المسبقة ان الادارة الأمريكية ستستقبله بـ (مسح الأرض) اذا صح التعبير، وانه سيقف كالطالب المهمل الكسول أمام بوش وتشيني ورايس، يسمع ما يسوءه من كلام واملاءات.
ويعرف مبارك جيداً، ان كل مواقفه المشرفة، بدءا من صداقته لاسرائيل، ومروراً باشتراكه في حرب العراق الأولى والأخيرة وانتهاء بتضييق الخناق على ابناء شعبه وجهوده الرائعة في تعذيب المعتقلين الذين يسلمون اليه من قبل السلطات الأمريكية.. كل هذه المواقف لن تشفع له عند الادارة المحافظة التي لا تقيم وزناً لصديق وحليف أمام مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.. فهذه الادارة تريد انتخابات حقيقية مثلما جاء على لسان سكوت مكليلان المتحدث باسم البيت الأبيض عشية زيارة رئيس الوزراء المصري الذي أوفده مبارك بدلا عنه الى واشنطن. وطالب مكليلان بحملات انتخابية مصرية حرة قائلاً: (من المهم أن يحظى المرشحون بفرصة خوض حملات انتخابية ناشطة والتكلم بحرية عن ترشيحهم لكي يتمكن المواطنون من اختيار حكامهم)
وهو موقف واضح وصريح يعارض شكل الاصلاح الذي قدمه مبارك، وضمن من خلاله البقاء بالحكم، على أمل أن يرضي مطالب واشنطن التي تريد أن تشاهد عرساً ديمقراطياً في مصر تتغنى فيه بالاضافة الى لبنان معوضة بذلك اخفاقاتها في العراق لخلق نموذج ديمقراطي فيه.
وموقف الادارة الأمريكية من الاصلاحات السياسية في مصر هو تقريباً موقف جميع المشرعين الأمريكيين ومعاهد الفكر وصنع القرار الذين يتفقون على أن الاصلاحات والديمقراطية في مصر – لما تلعبه من دور قيادي واقليمي – قد تقود الى اصلاحات مشابهة في دول عربية كثيرة. لكن الرئيس مبارك – وعلى رغم تلميحات واشنطن الواضحة – ما زال الى الآن يجهل نيات ادارة بوش تجاهه ، فالاصلاحات والانتخبات الحقيقية السريعة كما تريدها واشنطن قد تفضي الى الاطاحة بحكمه، أو نجاحه بنسبة ضئيلة، فيما واشنطن تفضل عدم حسم أمرها أو الافصاح عما حسمته في الملف المصري، تاركة كل الأبواب مفتوحة، وخلف تلك الأبواب تلتقي مع الجماعات المعارضة وعلى رأسهم (الأخوان المسلمون) فاتحة قنوات للحوار والتفاهم.
واللقاء مع الجماعات الاسلامية بات سياسة جديدة تتبعها الادارة الأمريكية منذ حربها في العراق وتحالفها مع بعض الجماعات الاسلامية هناك، وقد سبقت حوارها مع الاخوان المسلمين في مصر بحوارات ما زالت مستمرة مع حركة (حماس) الفلسطينية.
ومن الطبيعي أن تقوى شبكة الاخوان المسلمين في مصر، ليس فقط بسبب حواراتها مع الادارة الأمريكية بل لأن اللعبة أصبحت واضحة ومكشوفة، وباعتبار أن التغيير قادم لا محالة رغما عن مبارك وأجهزة قمعه.
لكن هل يعني امتناع مبارك عن زيارة واشنطن أن الأخيرة حسمت أمرها وتبنت موقف الجموع في حركة (كفايه) والحركات المعارضة الأخرى بما فيها (الاخوان المسلمون)؟
النفي لم يأت من الادارة الأمريكية، لكنه أتى على لسان أحمد نظيف الذي حرص على أن لا تفسر زيارته وكأنها انقلاب أمريكي على مبارك، حيث عقد مؤتمرين صحفيين عشية زيارته الى واشنطن، واحد امتد لخمس ساعات مع الصحف الوطنية والمعارضة، ونفى فيه أن تكون واشنطن تريد الاطاحة بمبارك ووصف العلاقات معها بأنها (علاقات ملتهبة) بسبب سياسات لا تترصد مصر أو مبارك – على حد قوله – لكنها تتحرك في العالم كله الآن وفق قواعد معينة وضرب مثالاً بتصريحات بوش الخاصة بموقف روسيا من الديمقراطية.
أما في مؤتمره الصحفي الثاني مع ممثلي الصحف الأمريكية والأجنبية، فقد أبلغهم أنه يجب على الشعب المصري أن ينضج سياسياً قبل أن يكون في البلاد نظام ديمقراطي.. وهو موقف رئيسه مبارك الذي أفصح عنه أكثر من مرة، معتبرا أنه الوحيد المؤهل لقيادة البلاد.
ويشبه المعارضون لتعديل الدستور الذي اقترحه مبارك والذي من المفترض أن يسمح بفتح باب الترشيح للراغبين بالرئاسة بأنه شبيه بنظام الاستفتاء لما تضمنه من شروط وقيود على نظام الترشيح. وهو موقف شبيه بموقف ادارة بوش، ولهذا يعتقد المراقبون أن (دشا ساخنا) بانتظار أحمد نظيف سيكون أشد سخونة ولهيباً من ذاك الذي تلقاه وزير الخارجية المصري اثناء زيارته التحضيرية لزيارة مبارك لواشنطن مؤخراً من نظيرته كوندليزا رايس بسبب اعتقال أيمن نور رئيس حزب الغد المصري المعارض
ففي حين تصر فيه ادارة بوش على اشراف مراقبين دوليين على الانتخابات المصرية، يتخذ ابن الرئيس مبارك وأمين سياسات الحزب الوطني الحاكم جمال مبارك موقفاً مغايراً. ويعتبر جمال الآن من أهم صناع القرار في مصر ويقال أن له يد طولى في تشكيل الحكومة المصرية ويعد نظيف من أقرب المقربين اليه. لكن التصريحات المتناقضة حول الاشراف الدولي على الانتخابات بين متشددة برفضها وبين اخرى تقول أن الحكومة المصرية لم تحسم أمرها بعد، تدل على أن نظيف ربما يحمل معه الى واشنطن بعض التنازلات عن المواقف التي لم ترق لواشنطن. وأن نظيف سيعطي موافقة حكومة بلاده على اشراف مراقبيين دوليين مقابل تقديم مساعدات امريكية سياسية واقتصادية للنظام المصري تضمن بقائه بالحكم.
لكن نظيف والذي يتوقع وقتاً صعباً في واشنطن لا يضمن أن يستمع الرئيس بوش وادارته لخطط الاصلاح والاقتراحات التي قدمها مبارك، والأرجح أنه سيقضي زيارته الى واشنطن ناصتاً الى الاملاءات والمتطلبات التي تريدها الادارة، ولن يكون هناك مجال للحوار – حسبما أفاد مصدر مطلع في البيت الأبيض – والا ما فوت مبارك فرصة الزيارة التي كان يحافظ عليها كأنها فريضة حج، وأرسل بدلا عنه رئيس وزرائه للمهمة الوسخة أو Dirty work كما يقال، لولا معرفته بأن ادارة بوش غاضبة على النظام المصري لكن ليس لدرجة تجعلها تفكر بالاطاحة به في الوقت الحالي، انما هدفها اجراء انتخابات تتيح حرية الترشيح والحملات الانتخابية لابراز مواليها من المعارضين. وحسب مصادر البيت الأبيض فان ادارة بوش لا تمانع فوز مبارك بفترة رئاسية ثانية لكن على شرط أن تكون هناك اصلاحات حقيقية تتيح بروز معارضين قد يحظون على دعم شعبي، وخصوصاً أن الادارة الأمريكية، تتفهم أنه لا يوجد بديل لمبارك في الوقت الحالي، مقنع للشعب المصري، وفي حال ظل فيها مبارك عقبة في وجه الاصلاحات فانها قد تلجأ الى الاطاحة به والبحث عن بديل له.
ويعرف مبارك جيداً، ان كل مواقفه المشرفة، بدءا من صداقته لاسرائيل، ومروراً باشتراكه في حرب العراق الأولى والأخيرة وانتهاء بتضييق الخناق على ابناء شعبه وجهوده الرائعة في تعذيب المعتقلين الذين يسلمون اليه من قبل السلطات الأمريكية.. كل هذه المواقف لن تشفع له عند الادارة المحافظة التي لا تقيم وزناً لصديق وحليف أمام مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.. فهذه الادارة تريد انتخابات حقيقية مثلما جاء على لسان سكوت مكليلان المتحدث باسم البيت الأبيض عشية زيارة رئيس الوزراء المصري الذي أوفده مبارك بدلا عنه الى واشنطن. وطالب مكليلان بحملات انتخابية مصرية حرة قائلاً: (من المهم أن يحظى المرشحون بفرصة خوض حملات انتخابية ناشطة والتكلم بحرية عن ترشيحهم لكي يتمكن المواطنون من اختيار حكامهم)
وهو موقف واضح وصريح يعارض شكل الاصلاح الذي قدمه مبارك، وضمن من خلاله البقاء بالحكم، على أمل أن يرضي مطالب واشنطن التي تريد أن تشاهد عرساً ديمقراطياً في مصر تتغنى فيه بالاضافة الى لبنان معوضة بذلك اخفاقاتها في العراق لخلق نموذج ديمقراطي فيه.
وموقف الادارة الأمريكية من الاصلاحات السياسية في مصر هو تقريباً موقف جميع المشرعين الأمريكيين ومعاهد الفكر وصنع القرار الذين يتفقون على أن الاصلاحات والديمقراطية في مصر – لما تلعبه من دور قيادي واقليمي – قد تقود الى اصلاحات مشابهة في دول عربية كثيرة. لكن الرئيس مبارك – وعلى رغم تلميحات واشنطن الواضحة – ما زال الى الآن يجهل نيات ادارة بوش تجاهه ، فالاصلاحات والانتخبات الحقيقية السريعة كما تريدها واشنطن قد تفضي الى الاطاحة بحكمه، أو نجاحه بنسبة ضئيلة، فيما واشنطن تفضل عدم حسم أمرها أو الافصاح عما حسمته في الملف المصري، تاركة كل الأبواب مفتوحة، وخلف تلك الأبواب تلتقي مع الجماعات المعارضة وعلى رأسهم (الأخوان المسلمون) فاتحة قنوات للحوار والتفاهم.
واللقاء مع الجماعات الاسلامية بات سياسة جديدة تتبعها الادارة الأمريكية منذ حربها في العراق وتحالفها مع بعض الجماعات الاسلامية هناك، وقد سبقت حوارها مع الاخوان المسلمين في مصر بحوارات ما زالت مستمرة مع حركة (حماس) الفلسطينية.
ومن الطبيعي أن تقوى شبكة الاخوان المسلمين في مصر، ليس فقط بسبب حواراتها مع الادارة الأمريكية بل لأن اللعبة أصبحت واضحة ومكشوفة، وباعتبار أن التغيير قادم لا محالة رغما عن مبارك وأجهزة قمعه.
لكن هل يعني امتناع مبارك عن زيارة واشنطن أن الأخيرة حسمت أمرها وتبنت موقف الجموع في حركة (كفايه) والحركات المعارضة الأخرى بما فيها (الاخوان المسلمون)؟
النفي لم يأت من الادارة الأمريكية، لكنه أتى على لسان أحمد نظيف الذي حرص على أن لا تفسر زيارته وكأنها انقلاب أمريكي على مبارك، حيث عقد مؤتمرين صحفيين عشية زيارته الى واشنطن، واحد امتد لخمس ساعات مع الصحف الوطنية والمعارضة، ونفى فيه أن تكون واشنطن تريد الاطاحة بمبارك ووصف العلاقات معها بأنها (علاقات ملتهبة) بسبب سياسات لا تترصد مصر أو مبارك – على حد قوله – لكنها تتحرك في العالم كله الآن وفق قواعد معينة وضرب مثالاً بتصريحات بوش الخاصة بموقف روسيا من الديمقراطية.
أما في مؤتمره الصحفي الثاني مع ممثلي الصحف الأمريكية والأجنبية، فقد أبلغهم أنه يجب على الشعب المصري أن ينضج سياسياً قبل أن يكون في البلاد نظام ديمقراطي.. وهو موقف رئيسه مبارك الذي أفصح عنه أكثر من مرة، معتبرا أنه الوحيد المؤهل لقيادة البلاد.
ويشبه المعارضون لتعديل الدستور الذي اقترحه مبارك والذي من المفترض أن يسمح بفتح باب الترشيح للراغبين بالرئاسة بأنه شبيه بنظام الاستفتاء لما تضمنه من شروط وقيود على نظام الترشيح. وهو موقف شبيه بموقف ادارة بوش، ولهذا يعتقد المراقبون أن (دشا ساخنا) بانتظار أحمد نظيف سيكون أشد سخونة ولهيباً من ذاك الذي تلقاه وزير الخارجية المصري اثناء زيارته التحضيرية لزيارة مبارك لواشنطن مؤخراً من نظيرته كوندليزا رايس بسبب اعتقال أيمن نور رئيس حزب الغد المصري المعارض
ففي حين تصر فيه ادارة بوش على اشراف مراقبين دوليين على الانتخابات المصرية، يتخذ ابن الرئيس مبارك وأمين سياسات الحزب الوطني الحاكم جمال مبارك موقفاً مغايراً. ويعتبر جمال الآن من أهم صناع القرار في مصر ويقال أن له يد طولى في تشكيل الحكومة المصرية ويعد نظيف من أقرب المقربين اليه. لكن التصريحات المتناقضة حول الاشراف الدولي على الانتخابات بين متشددة برفضها وبين اخرى تقول أن الحكومة المصرية لم تحسم أمرها بعد، تدل على أن نظيف ربما يحمل معه الى واشنطن بعض التنازلات عن المواقف التي لم ترق لواشنطن. وأن نظيف سيعطي موافقة حكومة بلاده على اشراف مراقبيين دوليين مقابل تقديم مساعدات امريكية سياسية واقتصادية للنظام المصري تضمن بقائه بالحكم.
لكن نظيف والذي يتوقع وقتاً صعباً في واشنطن لا يضمن أن يستمع الرئيس بوش وادارته لخطط الاصلاح والاقتراحات التي قدمها مبارك، والأرجح أنه سيقضي زيارته الى واشنطن ناصتاً الى الاملاءات والمتطلبات التي تريدها الادارة، ولن يكون هناك مجال للحوار – حسبما أفاد مصدر مطلع في البيت الأبيض – والا ما فوت مبارك فرصة الزيارة التي كان يحافظ عليها كأنها فريضة حج، وأرسل بدلا عنه رئيس وزرائه للمهمة الوسخة أو Dirty work كما يقال، لولا معرفته بأن ادارة بوش غاضبة على النظام المصري لكن ليس لدرجة تجعلها تفكر بالاطاحة به في الوقت الحالي، انما هدفها اجراء انتخابات تتيح حرية الترشيح والحملات الانتخابية لابراز مواليها من المعارضين. وحسب مصادر البيت الأبيض فان ادارة بوش لا تمانع فوز مبارك بفترة رئاسية ثانية لكن على شرط أن تكون هناك اصلاحات حقيقية تتيح بروز معارضين قد يحظون على دعم شعبي، وخصوصاً أن الادارة الأمريكية، تتفهم أنه لا يوجد بديل لمبارك في الوقت الحالي، مقنع للشعب المصري، وفي حال ظل فيها مبارك عقبة في وجه الاصلاحات فانها قد تلجأ الى الاطاحة به والبحث عن بديل له.