Fares
25/11/2003, 02:07
عبد الله مواطن عادي من أهالي البلد. همه الوحيد تدبير لقمة عيشه هو وزوجته وولداه الصغيران.. طريقه اليومي معروف من المنزل إلى الوظيفة، ولا يترك مكتبه إلا بعد انصراف آخر موظف.. ويشهد له بذلك جميع أهالي البلدة.
ولكنه فجأة تغير!! أصبح يردد دائماً - بسبب أو بدون سبب – نفس العبارة المقيتة.. تلك العبارة التي تحمل قوة اللفظ، ولكن بنفس الوقت ممزوجة بخوفٍ دفين: (حاضر، سيدي)...
حسبت زوجته أمينة في بداية الأمر أن حالته عابرة، وستنتهي مع مرور الوقت. ولكنّ وضع زوجها كان يسير من سيّئ إلى أسوأ، فيداه لا تكفان عن الارتعاش، ووجهه بات باهتاً جامد الملامح، وشعره أخذ بالتساقط..
عرضته على أمهر أطباء البلدة، لكن دون جدوى.. كان كل من يفحصه يقسم أن لا علّة به وأنّ جسده سليم من كل مرض.. ومع ذلك كانت حالته تتدهور بسرعة غريبة.
سمعت أمينة عن قدوم طبيبٍ ماهر من أوروبا، جاء ليساهم في بناء بلده بعد أن أكمل دراسته هناك، فسارعت إلى عرض زوجها عليه، علّه بأساليبه الحديثة يحقق ما عجز عنه الآخرون...
- لا أريد أن أخفي عليكِ، فأنا لم أستطع حتى الآن أن أحدد ماهية المرض الذي يعاني منه زوجك. ولكنني أشكّ بورمٍ في الدماغ.
- ولكن يا دكتور، له عدة أشهر لم يتكلم بها ولا حتى كلمة واحدة غير عبارة: (حاضر، سيدي) يرددها بين الفينة والأخرى. فهل هذا من أعراض الورم الدماغي؟؟
- على كل حال عندي جهاز حديث أتيت به من أوروبا، وهو سيعطينا الجواب النهائي لمعضلة زوجك...
ولكنّ حظ هذا الطبيب لك يكن بأفضل مما سبقه، فلقد اقسم كغيره أنه لا يخطئ، وأنّ جسد عبد الله معافى من كل الأمراض.
والغريب بالأمر أنّ حالته هذه أخذت تنتشر في البلدة، فصرت تسمع من هنا وهناك عبارة (حاضر، سيدي) بنفس الوتيرة وبنفس الخوف. وأخذت كذلك باقي الأعراض تظهر بدرجات متفاوتة على أهل البلدة. أغلقت جميع المحلات ، ولزم المواطنون منازلهم وهم يرددون: (حاضر، سيدي)...
تأمل الحاكم بإعجاب النتيجة التي توصل إليها، وقال لمعاونه:
" لقد أحسنت صنعاً.. كانت أفضل طريقة لأفرض بها سلطتي على البلدة هي أن أزرع في داخل دماغ كلّ مواطنٍ من مواطنيها رجلَ أمنٍ صغير، يتغذى على دمه. ويماري عليه بنفس الوقت نوع من الرقابة (الذاتية) على أقواله وتصرفاته، يحدد له ما هو المسموح والممنوع.. فإما أن يتأقلم مع هذا الواقع الجديد ويتعايش معه، أو يقوم المخبر الخاصّ به بعطب دماغه، ليصاب بالجنون بقية حياته..
وهكذا سأركب هذا الشعب إلى الأبد
إلى الأبد
إلى الأبد..."
ولكنه فجأة تغير!! أصبح يردد دائماً - بسبب أو بدون سبب – نفس العبارة المقيتة.. تلك العبارة التي تحمل قوة اللفظ، ولكن بنفس الوقت ممزوجة بخوفٍ دفين: (حاضر، سيدي)...
حسبت زوجته أمينة في بداية الأمر أن حالته عابرة، وستنتهي مع مرور الوقت. ولكنّ وضع زوجها كان يسير من سيّئ إلى أسوأ، فيداه لا تكفان عن الارتعاش، ووجهه بات باهتاً جامد الملامح، وشعره أخذ بالتساقط..
عرضته على أمهر أطباء البلدة، لكن دون جدوى.. كان كل من يفحصه يقسم أن لا علّة به وأنّ جسده سليم من كل مرض.. ومع ذلك كانت حالته تتدهور بسرعة غريبة.
سمعت أمينة عن قدوم طبيبٍ ماهر من أوروبا، جاء ليساهم في بناء بلده بعد أن أكمل دراسته هناك، فسارعت إلى عرض زوجها عليه، علّه بأساليبه الحديثة يحقق ما عجز عنه الآخرون...
- لا أريد أن أخفي عليكِ، فأنا لم أستطع حتى الآن أن أحدد ماهية المرض الذي يعاني منه زوجك. ولكنني أشكّ بورمٍ في الدماغ.
- ولكن يا دكتور، له عدة أشهر لم يتكلم بها ولا حتى كلمة واحدة غير عبارة: (حاضر، سيدي) يرددها بين الفينة والأخرى. فهل هذا من أعراض الورم الدماغي؟؟
- على كل حال عندي جهاز حديث أتيت به من أوروبا، وهو سيعطينا الجواب النهائي لمعضلة زوجك...
ولكنّ حظ هذا الطبيب لك يكن بأفضل مما سبقه، فلقد اقسم كغيره أنه لا يخطئ، وأنّ جسد عبد الله معافى من كل الأمراض.
والغريب بالأمر أنّ حالته هذه أخذت تنتشر في البلدة، فصرت تسمع من هنا وهناك عبارة (حاضر، سيدي) بنفس الوتيرة وبنفس الخوف. وأخذت كذلك باقي الأعراض تظهر بدرجات متفاوتة على أهل البلدة. أغلقت جميع المحلات ، ولزم المواطنون منازلهم وهم يرددون: (حاضر، سيدي)...
تأمل الحاكم بإعجاب النتيجة التي توصل إليها، وقال لمعاونه:
" لقد أحسنت صنعاً.. كانت أفضل طريقة لأفرض بها سلطتي على البلدة هي أن أزرع في داخل دماغ كلّ مواطنٍ من مواطنيها رجلَ أمنٍ صغير، يتغذى على دمه. ويماري عليه بنفس الوقت نوع من الرقابة (الذاتية) على أقواله وتصرفاته، يحدد له ما هو المسموح والممنوع.. فإما أن يتأقلم مع هذا الواقع الجديد ويتعايش معه، أو يقوم المخبر الخاصّ به بعطب دماغه، ليصاب بالجنون بقية حياته..
وهكذا سأركب هذا الشعب إلى الأبد
إلى الأبد
إلى الأبد..."